Sunday, 7 September 2025

جاري التحميل...

جاري التحميل...

عاجل
الراعي: الوطن يُبنى بالأفعال لا بالشعارات… وسيادته فوق المصالح الضيقة

الراعي: الوطن يُبنى بالأفعال لا بالشعارات… وسيادته فوق المصالح الضيقة

August 24, 2025

المصدر:

وكالة الأنباء المركزية

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد الثاني عشر من زمن العنصرة في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، يعاونه المطرانان جوزيف النفاع والياس نصار والمونسينيور فيكتور كيروز والقيم البطريركي الخوري طوني الآغا و الخوري بطرس عرب والأب هادي ضو، في حضور عدد من المؤمنين.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى البطريرك عظة بعنوان :"يا ابن داود، إرحمني: إبنتي بها شيطان يعذّبها جدًّا" (متى 15: 22).

قال فيها: "الربّ يسوع في نواحي صور وصيدا، حيث يعيش الكنعانيّون غير اليهود، وبالتالي غير المؤمنين المعروفين بالأمم أو بالوثنيّين، في تلك المنطقة خرجت امرأة كنعانيّة من غير ملّة يسوع، لكنّها مؤمنة به، وراحت تصرخ وتناديه باسمه البيبليّ: "يا ابن داود" أي أيّها المسيح الآتي حاملًا الرحمة، "يا ابن داود، إرحمني: إبنتي بها شيطان يعذّبها جدًّا" (متى 15: 22). هذا الصراخ سقط في قلب يسوع، لأنّه إيمان بيبليّ، وقد أراد امتحانه، من أجل إعلانه للجمع وللتلاميذ الذين كانوا يتوسّلون إليه "بصرفها لأنّها تصرخ في إثرهم" (متى 15: 23).

وأضاف : "يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا لنحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، التي يتمّ فيها لقاؤنا المباشر بالمسيح الفادي والمخلّص. ونرجو أن يتمّ هذا اللقاء بإيمان مثل المرأة الكنعانيّة، فيكون لنا ما نبتغي من المسيح الربّ. ثلاث محن امتحن بها الربّ يسوع إيمان المرأة. المحنة الأولى، عدم اكتراثه وإهماله لصراخها، وكأنّه لم يسمعه. أمّا هي فازدادت صراخًا، حتى انزعج منه تلاميذ يسوع. المحنة الثانية، جوابه للتلاميذ بشيء من التمييز العنصريّ، إذ أجاب: "لم أُرسل إلّا إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل" (متى 15: 24). أمّا هي فأتت وسجدت له وقالت: "ساعدني يا ربّ".

المحنة الثالثة، تحقير المرأة وإهانتها بقوله: "لا يحسن أن يؤخذ خبز البنين، ويُلقى إلى جراء الكلاب". أمّا هي فأجابت بكلّ تواضع ومن دون أي امتعاض، بجواب لم يكن يتوقّعه: "نعم يا ربّ، وجراء الكلاب تأكل من الفتات المتساقط عن مائدة أربابها." فما كان من الربّ إلّا أن امتدح إيمانها ونالت مبتغاها: "أيّتها المرأة، عظيم إيمانك، فليكن لكِ كما تريدين. ومن تلك الساعة شفيت ابنتها".

وأردف: "ميزة إيمان المرأة أنّه أوّلًا ثقتها بيسوع. لقد آمنت به شخصيًّا بعلاقة وجدانيّة، إنّه بالنسبة إليها "إبن داود"، "المسيح الآتي، وحامل الرحمة". بهذا الإيمان نادت وألحّت عليه، بالرغم من الإمتحانات الثلاثة. والميزة الثانية، أنّه إيمان بما يقول ويفعل، إيمانها بأنّه سيلبّي طلبها ويرحم ابنتها، فهو حامل الرحمة، ولا يستطيع أن ينكر ذاته. هذا النصّ الإنجيليّ ليس رواية عابرة، بل إعلان عن قوّة الإيمان المثابر. هو درس لاهوتيّ عميق يبيّن أنّ رحمة الله لا تحدّ بحدود قوميّة أو عرقيّة أو انتماءات ضيّقة، بل تتخطّى الجميع لتشمل كلّ من يأتي بقلب منسحق ورجاء صادق. والمرأة التي بدت ضعيفة صارت مثالًا للرجاء الحيّ، والإيمان الصامد. نحن مدعوّون لعيش لقاء مماثل مع المسيح المخلّص والفادي، في سرّ الإفخارستيا الذي فيه يتمّ لقاؤنا بالله، لقاءً إيمانيًّا، ثابتًا في الرجاء، صامدًا في المحبّة".

وتابع: "هذا الإيمان يدعونا لنكون مثل المرأة الكنعانيّة: مؤمنين مثابرين، غير مستسلمين. إنّه دعوة إلى كلّ مسؤول في الدولة، إلى كلّ سياسيّ، إلى كلّ مواطن، ليدركوا أنّ الإيمان الحقيقيّ يُترجم في الأمانة، في الإصلاح، في التمسّك بالوحدة الوطنيّة، وفي العمل لأجل الخير العام لا المصالح الضيّقة، الوطن لا يُبنى بالصراعات بل بالثقة. لا ينهض بالوعود بل بالأفعال. لا يحيا بالشعارات بل بالعدل والحقّ. وكما خرجت المرأة من حدودها الجغرافيّة، وصرخت بثقة، نحن أيضًا مدعوّون للخروج من حدود إنقساماتنا ومخاوفنا، لنرفع صوتنا بوجه كلّ من يهدّد وجودنا وكياننا ورسالتنا. يحتاج لبنان اليوم إلى إيمان حيّ يُترجم بالثبات في الأرض، بالمحافظة على الكرامة الوطنيّة، بالدفاع عن سيادته على كامل أرضه، وعن حرّيته، وبإيجاد سياسات اقتصاديّة واجتماعيّة تقي أبناءه من الهجرة، ومن بيع أراضيهم. مسؤوليّة القيّمين على الشأن العام كبيرة؛ فعليهم أن يتخطّوا منطق المصالح الشخصيّة، وأن ينفتحوا على الخير العام، ويضعوا خدمة الشعب قبل خدمة الذات. وعلى السياسيّين الإصغاء إلى صرخة الشعب المقهور، ووضع يدهم بيد الآخرين من أجل قيام دولة السيادة الكاملة والعدالة والقانون. ولا يمكن للوطن أن ينهض من أزماته، إلّا اذا استعاد قيم الإيمان والرجاء، وإذا اجتمع أبناؤه حول مشروع وطنيّ جامع، لا حول مصالح ضيّقة وانقسامات قاتلة".

وختم الراعي: "فلنصلِّ، كي يمنحنا الله نعمة الإيمان المثابر؛ وكي يفتح قلوبنا على الرجاء، ويشفينا جميعًا من جراح الماضي والحاضر، ويساعدنا على تنقية الذاكرة. فنرفع المجد والشكر للثالوث القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين".

وبعد القداس استقبل البطريرك المشاركين في الذبيحة الإلهية.

 

Posted byKarim Haddad✍️

 المطران الياس عودة: الساكت عن الظلم ليس بريئا بل مشارك في الإثم والخطيئة
September 7, 2025

المطران الياس عودة: الساكت عن الظلم ليس بريئا بل مشارك في الإثم والخطيئة

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس. وبعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "يفتح إنجيل اليوم أمامنا بابا واسعا لفهم سر محبة الله للعالم، ولإدراك عمق التدبير الإلهي الذي تم من أجل خلاصنا. في الكلمات القليلة التي سمعناها نجد خلاصة التدبير الخلاصي كله حيث يتقاطع النزول والصعود، الموت والحياة، الدينونة والرحمة، في شخص واحد هو يسوع المسيح ابن الله المتجسد. يبدأ النص بتأكيد على أنه لا أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل منها، أي المسيح نفسه. فالطريق إلى الآب لا يفتح إلا عبر الإبن، لأنه هو وحده «ابن البشر الذي هو في السماء» الذي يعرف الآب معرفة كاملة، ويحمل إلينا حياة السماء. يقول القديس كيرللس الإسكندري: «إن المسيح نزل ليلتحم بنا، ويصعد ليحملنا معه». هنا يكمن سر التجسد، فابن الله صار إنسانا ليدخل الإنسان في شركة الحياة الإلهية. هذه ليست حركة رمزية أو مجازية، بل فعل حقيقي من المحبة الإلهية التي لا تقاس".

أضاف: "يشبه المسيح رفعه على الصليب برفع موسى الحية النحاسية في البرية، حين تذمر الشعب وأصابتهم الحيات القاتلة، فأعطاهم الله علامة للخلاص، هي حية نحاسية معلقة، من نظر إليها بإيمان نجا. هذه العلامة، كما يوضح القديس يوحنا الذهبي الفم، كانت «رمزا مسبقا للصلب»، حيث يعلق المسيح نفسه على خشبة ليبطل سم الحية القديمة، أي إبليس. كانت الحية أداة الموت منذ الفردوس، لكن المسيح جعل من صليبه دواء للحياة، محولا آلة الموت إلى ينبوع خلاص. إن النظر بإيمان إلى المسيح المرفوع يشفي من سم الخطيئة والموت، كما شفي العبرانيون من لدغات الحيات. «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد». إنها خلاصة الإنجيل كله. محبة الله ليست محبة عابرة ولا عاطفة بشرية، بل محبة إلهية جوهرية، دفعت الآب ليرسل ابنه الوحيد إلى الألم والموت من أجلنا. المحبة الإلهية ليست شعورا، بل عمل خلاصي وبذل حقيقي وتضحية لا محدودة. لم يكتف الله بأن يعطينا شريعة أو أنبياء أو كلمات تعزية، بل أعطانا ابنه الوحيد لنمتلئ منه ونخلص به. أحب الله العالم وبذل ابنه الوحيد « لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية». ليس الهدف من هذا البذل أن يدين الله العالم. كثيرون يظنون أن الله يترصد البشر ليدينهم على خطاياهم، لكن المسيح يوضح أن مقصده هو الخلاص لا الدينونة التي تحصل تلقائيا عندما يرفض الإنسان النور ويختار الظلمة. المبادرة الإلهية هي دائما للرحمة، كما يقول القديس إيريناوس: «مجد الله هو الإنسان الحي، وحياة الإنسان هي رؤية الله». الله لا يسر بهلاك الخطأة، بل يريدهم أن يتوبوا ويحيوا. هنا يظهر التباين بين فكر الله الساعي إلى الخلاص والمصالحة، وفكر العالم المادي الساعي وراء الكسب والتسلط والإنتقام والقصاص، وإلا كيف يفسر ازدراء القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية، والمواثيق الدولية، وقتل الأبرياء، وتجويع الأطفال، ومحو المدن والحضارات؟ والساكت عن الظلم والقتل والإزدراء بحياة خليقة الله ليس بريئا بل مشارك في الإثم والخطيئة".

وتابع: "إذا نظرنا إلى واقعنا اليوم، نجد أن العالم لا يزال بحاجة ماسة إلى الرحمة والمحبة والتواضع والتوبة، وإلى فهم هذه العبارة: «لم يرسل الله ابنه ليدين العالم، بل ليخلص به العالم». فإذا كان قصد الله الخالق خلاص العالم، كيف للإنسان المخلوق أن يدين العالم أو يدمره؟ من يقتل ومن يدفع للقتل أو يتسبب به وبهدم بيوت الناس والعبث بحياتهم والتلاعب بمصيرهم يسيئ إلى خليقة الله التي افتداها المسيح بدمه ليخلصها. في هذا الزمن الذي يضج بالعنف والظلم والإنقسامات والحروب، حيث تبنى المجتمعات على البطش والأنانية، نحن بحاجة إلى اكتشاف حقيقة أن الله لم يتركنا رغم خطايانا وزلاتنا، بل دخل تاريخنا، شاركنا آلامنا وحمل ضعفنا ليحول الظلمة إلى نور واليأس إلى رجاء. في كل مرة ننظر إلى الصليب، علينا أن نتذكر أنه ليس علامة دينونة، بل علامة حب أقوى من الموت. هذه المحبة ليست فكرة عامة أو عاطفة مبهمة، إنما هي دعوة شخصية لكل منا. المسيح مات على الصليب «لكي لا يهلك كل من يؤمن به». لكن الإيمان ليس قبولا عقليا، بل تسليم كامل للذات، ودخول في علاقة حية مع المسيح. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: «ما لم يتحد بالمسيح لم يشف». الإيمان الحقيقي هو أن نتحد بالمسيح في حياتنا وأفكارنا وأعمالنا، وأن نسمح لمحبته أن تعيد تشكيلنا، حتى نصبح نحن أيضا أيقونات حية للمسيح في هذا العالم. وإذا كان الله قد بذل ابنه الوحيد من أجلنا، فكم بالحري علينا نحن أن نبذل أنفسنا بعضنا لأجل بعض، لأن المحبة التي اختبرناها في المسيح ليست لتحفظ لأنفسنا، بل لتفيض على الآخرين. في عالمنا الذي يمجد الفردية والمصلحة الشخصية، يطلب منا الرب أن نكون شهودا لمحبة غير مشروطة، مستعدة للعطاء والبذل حتى النهاية. هنا تبرز مسؤولية الكنيسة اليوم في أن تظهر وجه المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات، وأن تكون مكانا يشفى فيه الجرح البشري من سم الكراهية واليأس، وأن تعلن أن المحبة هي الكلمة الأخيرة في التاريخ، والفعل الأسمى".

وختم: "هذه الدعوة لا تعاش بسهولة، إذ تتطلب صراعا داخليا، وجهادا روحيا، وتواضعا وتخليا عن الأنا والكبرياء، وانفتاحا دائما على نعمة الله. لكننا لسنا وحدنا في هذا الطريق، لأن المسيح القائم حاضر معنا بروحه القدوس، يقوينا ويعضدنا وينير سبيلنا. فلنرفع أنظارنا نحو المسيح المصلوب، كما رفع العبرانيون عيونهم نحو الحية النحاسية، ناظرين إليه بإيمان حي، وواثقين بأنه وحده قادر أن يشفي جراحنا ويمنحنا حياة لا تزول. ولنسمح لمحبته أن تدخل قلوبنا وتحولها، لنصير نحن أيضا أدوات خلاص للآخرين، لا دينونة لهم. هكذا، نكون شهودا أمناء لخبر سار لا يشيخ: أن الله أحب العالم، وأحب كلا منا، حتى بذل ابنه الوحيد لنحيا فيه ونمجد اسمه القدوس إلى الأبد".