رسوم ترامب الجمركية تدفع كندا إلى الاقتراب من الصين والهند
تعهّد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بمضاعفة الصادرات غير الموجّهة إلى الولايات المتحدة بحلول عام 2035، ما يعني إعادة فتح قنوات التواصل مع اثنين من أبرز خصوم كندا على الساحة الدولية.
ففي الأسبوع الذي أعقب حملة إعلانية مناهضة للرسوم الجمركية موّلها إقليم أونتاريو ودَفعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى وقف المحادثات التجارية مع أوتاوا، كان كارني يخوض لقاءً أكثر ودّية مع أحد أكثر القادة إثارة للدهشة: الرئيس الصيني شي جين بينغ.
العلاقات بين أوتاوا وبكين انهارت عام 2018 بعد أن احتجزت الصين اثنين من الكنديين، في خطوة اعتُبرت على نطاق واسع ممارسةً لـ”دبلوماسية الرهائن”. كما اتهمت أجهزة الأمن الكندية الصين بالتجسس والتدخل في الانتخابات وتهديد المنتقدين داخل كندا، وهي اتهامات نفتها بكين. وقد طرد البلدان دبلوماسيين من كلا الجانبين وفرض كل منهما رسوماً جمركية على سلع الآخر.
غير أنّ الاجتماع الذي عُقد هذا الشهر على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، وهو الأول بين رئيس وزراء كندي ورئيس صيني منذ عام 2017، شكّل منعطفاً جديداً، وفق تعبير كارني، الذي قال إن اللقاء يمثّل “نقطة تحوّل”. شي أعلن دعوته لكارني لزيارة الصين، والأخير لبّى الدعوة إيجاباً.
هذه التطورات، التي كانت تبدو مستبعدة قبل عام فقط، تعكس حجم الارتباك الذي أحدثته رسوم ترامب الجمركية على السلع الكندية وتهديداته بتحويل كندا إلى “الولاية الأميركية الحادية والخمسين”، ما دفع أوتاوا لإعادة رسم تحالفاتها الاقتصادية والسياسية.
وتسعى الحكومة حالياً إلى تحويل الاقتصاد من “الاعتماد إلى الصمود” عبر تنويع الصادرات بعيداً عن الولايات المتحدة، التي تستحوذ على أكثر من 75% من الصادرات الكندية. وقد وضعت هدفاً بمضاعفة الصادرات غير الأميركية بحلول عام 2035.
وجاء في الموازنة الفدرالية، الصادرة هذا الشهر: “إن النظام الدولي القائم على القواعد، والمنظومة التجارية التي غذّت ازدهار كندا لعقود، يتعرضان لإعادة تشكيل تهدد سيادتنا ورفاهنا وقيمنا. نحن لا نمر بمرحلة انتقالية، بل بصدع كامل”. وقد فاز كارني في انتخابات أبريل بوصفه الرجل القادر على إدارة هذا التحول الجذري، وهو اليوم يسعى إلى مقاربة أكثر حذراً لفتح صفحة جديدة مع الصين والهند ودول أخرى كانت العلاقات معها متوترة.
ويؤكد خبراء أنّ هذه الاستراتيجية تحمل فرصاً ومخاطر في آن. ويحذر البعض من أن توسيع العلاقات مع دول لا تشارك كندا قيمها، أو سبق أن استخدمت اعتماد أوتاوا على أسواقها كسلاح ضغط، قد يضع كندا أمام تحديات أخلاقية وسياسية.
وتقول لينيت أونغ، مديرة “مختبر الحوكمة الصينية” في مدرسة مونك التابعة لجامعة تورونتو: “الابتعاد عن أميركا غير الموثوقة لا يجعل الصين شريكاً تجارياً أكثر موثوقية. الهدف هو تنويع المخاطر. وسيكون خطأً كبيراً إذا توقفنا عند الصين… لكن بما أنّ الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري لنا، فمن الطبيعي أن نبدأ من هناك”.
وتشير وكالة تنمية الصادرات الكندية إلى مؤشرات واضحة على توجه الشركات الكندية نحو أسواق جديدة، إذ ارتفع عدد زيارات الموقع الإلكتروني للوكالة بنسبة 61% هذا العام، فيما قفزت الزيارات إلى الموارد الخاصة بتنويع التجارة بنسبة 93%.
على مدى عقود، ارتكزت السياسة الخارجية والاقتصادية لكندا على السعي نحو مزيد من الاندماج مع الولايات المتحدة. فالصادرات المتجهة إلى السوق الأميركية تشكّل خُمس الدخل القومي الكندي. وعلى امتداد هذه الفترة تقريباً، حذّر منتقدون من مخاطر الاعتماد المفرط على سوق واحدة بهذا الحجم.
لكن تنويع الأسواق كان أصعب مما يبدو نظرياً، ويقرّ قادة الأعمال بأن تعويض أي تراجع في التجارة مع الولايات المتحدة سيكون مهمة شاقة. ورغم أن كندا وقّعت أكثر من اثني عشر اتفاقية تجارة حرة تشمل أكثر من 50 دولة، فإن الجزء الأكبر من صادراتها ما زال يتجه إلى الجار الجنوبي. وقد بلغت حصة الصين من الصادرات الكندية في عام 2024 نحو 4 بالمئة فقط.
وتتقاسم كندا والولايات المتحدة أطول حدود برية غير محصّنة في العالم، إضافة إلى اللغة الإنجليزية. كما أن السوق الاستهلاكية الأميركية الضخمة تُعدّ عامل جذب لا تضاهيه خيارات كثيرة. أما دخول أسواق جديدة، فيمكن أن يكون مهمة معقدة بالنسبة للشركات الصغيرة التي تفتقر إلى الموارد الكافية للتعامل مع الاختلافات اللغوية والتنظيمية.