نقاط على الحروف بقلم ايلي مجاعص
“أشجار لا نرتاح في ظلها… ولكنها تنقذ الوطن”
يروي مثل يوناني قديم: “يرتقي المجتمع عندما يزرع الكبار أشجاراً يعلمون جيداً أنهم لن يجلسوا يوماً في ظلها.”
وفي هذا القول حكمة عظيمة تختصر جوهر المسؤولية الأخلاقية، والتضحية من أجل الأجيال القادمة. هو مثل يبدو بسيطاً، لكنه في جوهره دعوة للزراعة في أرض المستقبل، حتى لو لم نكن شهوداً على الحصاد.
وفي لبنان، كم نحن بحاجة إلى زارعين لا إلى قاطفين.
نعيش اليوم في وطن يُثقل كاهله الانهيار، ويكاد يختنق بين رماد الفساد وغبار الانقسامات. وطنٌ باتت فيه “اللحظة” أثمن من “الغد”، و”المصلحة الآنية” أغلى من “الرسالة الكبرى”. لكن، هل يُبنى وطن بهذا المنطق؟ هل تحيا الأوطان بقلوب قصيرة النفس؟
المطلوب اليوم، أن نعود إلى روح المثل اليوناني، فنزرع أشجاراً لن نجلس في ظلها نحن، بل سيجلس فيها أبناؤنا وأحفادنا.
نزرع عدالة، ولو لم نرَ نتائجها.
نزرع شفافية، ولو لم تُحاكِ زماننا.
نزرع مؤسسة قوية، تعليم جيد، ومبدأ لا يتبدل، ولو كان ذلك على حساب مكاسبنا الصغيرة.
لبنان لن يقوم إلا إذا امتلك من يزرعون… لا من يحصدون.
من يبنون الجامعات، حتى لو لم يدخلوا قاعاتها.
من ينشئون مستشفيات، حتى لو ماتوا على أبوابها.
من يحمون الدستور، حتى لو تم الطعن بهم.
قد لا نجني نحن الثمار، لكن أبناءنا لن يسامحونا إذا لم نزرع.
إن ارتقاء لبنان لا يأتي من صفقات تمرر تحت الطاولة، ولا من تسويات تُباع باسم “الواقعية السياسية”، بل من رجال ونساء يعبرون بصمت، ويتركون خلفهم بذوراً تثمر عدلاً وكرامة.
فلنكن نحن الجيل الذي يزرع،
حتى لو لن نجلس في الظل… فلنكن على الأقل سبباً في عودة الوطن من غيبوبته.