نقاط على الحروف بقلم ايلي مجاعص
خيانة بثلاثين فضة: يوداس الجديد بيننا
في كل زمان ومكان، تظهر الخيانة وكأنها لعنة خالدة لا تفنى. يوداس الإسخريوطي، الذي باع سيده بثلاثين فضة، لم يكن مجرد شخصية تاريخية، بل هو رمز خالد لكل خائن عاش بيننا عبر العصور. كأنما روح يوداس تتنقل من زمن لآخر، متجسدة في وجوه لا حصر لها، تطعن الوطن في ظهره من الداخل بينما تزعم الولاء والانتماء.
اليوم، ونحن نعيش في زمن مضطرب، نرى يوداس يتجدد. الخيانة لم تعد فعلا مفاجئا بل أصبحت جزءا من مشهدنا اليومي. إيران تمد يدها بالمعلومات، وإسرائيل تنفذ عمليا، ولكن الكارثة ليست فقط في هؤلاء الأعداء الظاهرين، بل في اليوداس الجديد الذي يبيع أسرار وطنه بثمن بخس، ويتآمر على شعبه من أجل مصالح ضيقة. هذا الخائن الحديث لا يحتاج إلى ثلاثين فضة، يكفيه وعد بالسلطة أو المنصب، أو حتى حفنة من المال القذر.
لكن من يدفع الثمن؟ إنه دائما الشعب اللبناني. هذا الشعب الذي يعشق الحياة، الذي لا يريد إلا أن يعيش بسلام، هو من يتحمل الألم والخسائر. بين الحروب، والأزمات الاقتصادية، والانهيارات السياسية، يبقى اللبناني وحده واقفا وسط رماد الخراب، يردد كلمات الراحل الكبير غسان تويني: “اتركوا شعبي يعيش”.
“اتركوا شعبي يعيش”، صرخة صادقة تحمل معها كل معاناة اللبناني الذي يرفض الاستسلام، الذي يريد أن يبني حياته بعيدا عن الخيانات والطعنات الغادرة. الشعب اللبناني ليس مجرد أرقام في نشرات الأخبار، إنه شعب يعشق السلام، شعب يمد يده بالحب والتسامح للجميع، ولكنه أيضا شعب تعلم الصمود في وجه العواصف.
اللبناني يواجه اليوم ليس فقط أعداء الخارج، بل أولئك الخونة الذين يعيشون بيننا، المتنكرين بأقنعة الوطنية والولاء. هؤلاء هم اليوداس الجدد، الذين يبيعون الوطن مقابل مكاسبهم الشخصية. هؤلاء الذين يعتقدون أن خيانتهم ستمر بلا حساب. لكن، كما كان مصير يوداس الأول، فإن الخائن يسقط في نهاية المطاف، لأن الخيانة لا تجلب إلا اللعنة والدمار.
فدعونا نردد جميعا: “اتركوا شعبي يعيش”. لنقف ضد كل يوداس جديد يتسلل بيننا، ولنحمِ لبنان من طعنات الخيانة التي تكلفه أثمن ما لديه. دعوا اللبناني يختار الحياة، فالحياة هي حقه، وهي أمل هذا الوطن الذي لن يتخلى عن عشقه لها، مهما اشتدت الرياح.