Sunday, 7 December 2025

جاري التحميل...

جاري التحميل...

عاجل
عودة: لاعتماد الحوار عوض التقوقع والانفتاح عوض الحرب

عودة: لاعتماد الحوار عوض التقوقع والانفتاح عوض الحرب

December 7, 2025

المصدر:

الوكالة الانباء المركزية

رأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس. بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "نصا الإنجيل والرسالة اللذان سمعناهما يفتحان أمامنا بابا واسعا لفهم عمل الله العجيب في النفس البشرية. الله يدعونا من خلال نعمته إلى قيامة داخلية حقيقية، تعتق فيها قلوبنا من انحناء الخطيئة، وتستنير بنور المسيح الذي يبدد كل ظلام. فالرب الذي كان يعلم في المجمع، عندما رأى المرأة المنحنية منذ ثماني عشرة سنة شفاها، وهو نفسه يطلب من كل مؤمن أن يقف في حضرته ليشفى من انحناءات النفس والجسد، ويتذوق حرية أبناء الله".

أضاف: كانت المرأة، كما يصفها الإنجيل، منحنية لا تستطيع أن تنتصب البتة. هذا الوصف هو رمز لحالة الإنسان الساقط الذي أثقلته الخطيئة، كما يشرح القديس كيرلس الإسكندري، إذ يقول إن الشيطان حين يقيد الإنسان «يحنيه نحو التراب لكي لا يرفع نظره إلى الله». المشكلة ليست في الجسد وحده، بل في القلب الذي يفقد وجهته نحو العلى. حين يدخل الرب يسوع إلى المجمع، يقترب من المرأة، يلمس ضعفها، ويرفعها بكلمة واحدة، مطلقا إياها من مرضها. هكذا يعمل المسيح دائما: يقترب، ينظر، يشفق، ويقيم. لا يشفينا عن بعد، بل يدخل إلى جراحنا ويغير واقعنا من الداخل. في رسالته إلى أهل أفسس يحدثنا الرسول بولس عن هذه القيامة الداخلية نفسها، إنما من زاوية الحياة العملية. يقول: «أسلكوا كأولاد للنور». دعوة الرسول هذه ليست نظرية بل خلاصية. النور الذي يقيم المرأة المنحنية يصير نهج حياة، ومسارا يوميا يجاهد فيه المؤمن لكي يترك أعمال الظلام، ويثمر «ثمر الروح» الذي يذكره بولس في مواضع أخرى، أي الصلاح والبر والحق. فالتحرر من روح الإنحناء الذي قيد المرأة يوازيه السير الواعي في نور المسيح، نور يترجم سلوكا مقدسا".

وتابع: "رأى آباء الكنيسة في هذه المعجزة إعلانا واضحا عن عمل النعمة في الكنيسة اليوم. يشير القديس يوحنا الذهبي الفم إلى أن «المرأة المنحنية تمثل النفس التي انحنت تحت أثقال الشهوات والعادات الشريرة»، وأن الرب يقيمها بكلمته كما أقام المرأة، ليس لأنها تستحق، بل لأن رحمته سابقة لاستحقاقنا. وقد شدد الذهبي الفم على أن الوقوف في حضرة المسيح، بالصلاة والتوبة والأسرار، هو الطريق الوحيد لنيل هذه العطية. المسيح لا يرفع من يرفض أن يأتي إليه، بل يرفع كل من يتقدم إليه بتوبة وتواضع. مشهد رئيس المجمع في الإنجيل يذكرنا بأن هناك دائما قلوبا تستطيع أن تقف جسديا ولكنها منحنية روحيا. هذا الرجل الذي اعترض على شفاء المرأة يوم السبت يمثل العمى الروحي الذي يفضل حفظ القشور على خلاص النفوس. هو يرى الشريعة ولا يرى الرب، يعرف الحرف وينسى الرحمة. كثيرون اليوم قد يقعون في التجربة ذاتها، فيحافظون على صورة التقوى ويدعون حفظ الكلمة والحفاظ على الكنيسة أو الوطن، فيما أعمالهم شريرة، مظلمة، تسيء إلى الإنسان وإلى الكنيسة والوطن. أما المسيح، فهو يكشف أمام الحاضرين بأن تحرير الإنسان أهم بما لا يقاس من حرفية التفسير. يقول الآباء إن المسيح لم يأت ليبطل الناموس، بل ليظهر روحه وعمقه، أي الرحمة والشفاء والتجديد".

وقال: "في رسالته إلى أهل أفسس، يتابع الرسول بولس هذا الخط الروحي حين يطلب إلى المؤمنين ألا يشتركوا «في أعمال الظلمة غير المثمرة»، بل أن يختبروا «ما هو مرضي عند الرب». إن السير في النور ليس مجرد امتناع عن الشر، بل حركة إيجابية نحو الله. لذلك، يدعو بولس المؤمنين إلى الفرح الروحي والترنيم والإمتلاء من الروح القدس. يقول القديس مكسيموس المعترف إن «الإمتلاء من الروح» يعني أن يصير الإنسان كله موجها نحو الله، فلا يكون قلبه منحنيا نحو الأرض، وأفكاره مشوشة ونفسه متكبرة".

أضاف: "الحياة المسيحية اليوم تحتاج هذه الرؤية المتكاملة، إبتغاء الرب، طلب الشفاء، والسير في النور. نحن لا نأتي إلى الكنيسة لنحصل فقط على عزاء أو راحة، بل لنشفى من الإنحناءات العميقة التي تشوه صورتنا، ونستعيد إستقامة السلوك ونقاوة القلب. من ينال الشفاء الحقيقي، كما يعلم القديس إسحق السرياني، «لا يعود ينظر إلى الأرض كمسكنه، بل ينظر إلى فوق، حيث المسيح جالس». لذا، لا يكفي أن نطلب إلى المسيح إقامتنا من خطايانا، بل علينا أن نحيا بعد ذلك كقوم أقامهم الله. لعل أهم ما يواجه المسيحي اليوم هو الإنحناء الخفي الذي قد لا يظهر للعيان، إنحناء أمام هموم الحياة وضغوط العمل والإنشغالات المادية وقيود العادات التي تحول الإنسان إلى كائن متعب غير قادر على رفع نظره إلى الله. نعيش اليوم زمن سرعة وتشتت، يجعل القلب متعبا، كما لو أن روح الإنحناء الذي قيد المرأة قديما يحاول تقييد الإنسان المعاصر بطريقة أخرى، بالحقد والحسد والأنانية والثرثرة واللهاث وراء المكاسب والمراكز والمجد الأرضي، ولو على حساب الأخ أو الوطن أو الأخلاق. لذلك، يحتاج كل منا كلمة المسيح التي لا تزال تقال لنا كما قيلت للمرأة: «إنك مطلقة من مرضك». هذه الكلمة تقال في سر التوبة، وفي الإفخارستيا والصلاة وقراءة الكتاب المقدس، وفي كل موضع يقترب فيه الإنسان من الرب بإيمان. يذكرنا بولس الرسول بأن من نال نور المسيح عليه أن يحيا يقظا، لأن «الأيام شريرة». هذا النداء يضع أمامنا مسؤولية روحية كبيرة، أن نحافظ على النور في داخلنا، ونرفض كل ما يطفئه. فالنور المسيحي ليس معرفة لاهوتية أو أخلاقية، بل حياة تعاش في طاعة الروح القدس.

يشدد الآباء على أن النور الحقيقي يعرف بثماره التي تظهر حين يلمس المسيح قلب الإنسان كما لمس ظهر المرأة المنحنية".

وتابع: "دعوتنا اليوم أن نتذكر أن الشفاء عمل حاضر، وأن الله يريد إقامتنا وجعلنا شهودا لنوره في عالم متقلب مظلم. لكن، علينا أن نقترب منه بإيمان، ونطلب إليه أن يرفع قلوبنا المنحنية إلى فوق، ويعيد إلينا إستقامة القامة، ويملأنا من الروح القدس، لكي تصبح حياتنا تسبحة شكر وتمجيد".

وختم: "ولأن وطننا منحن بسبب ثقل ما عاناه من خضات وفراغات ومآس وحروب، وما ناله خلال عقود من زعمائه وحكامه وأحزابه المنشغلين بمصالحهم، غير آبهين بمصلحة الوطن، على أبنائه وحكامه وكل الزعماء والمسؤولين، الوقوف بتواضع وانسحاق أمام الله وضمائرهم، وطلب الشفاء من الإنحناء المزمن والأمراض الخبيثة، معلنين توبتهم عن كل المعاصي، وتغيير سلوكهم، وفتح صفحة جديدة مبنية على الصدق والمحبة والرحمة والتواضع، والشهادة للحق والخير، والتزام قضايا المجتمع والإنسان، والحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية، واعتماد الحوار عوض التقوقع ، والإنفتاح عوض الحرب، وابتغاء الخير العام عوض المصلحة الشخصية، عل الرب الذي شفى المرأة المنحنية يشفي بلدنا، ويشرق عليه نوره السماوي، ويمنحه السلام والإستقرار اللذين يصبو إليهما أبناؤه، فيستعيد حريته ودوره وتألقه".

 

Posted byKarim Haddad✍️

العبسي: لنهدم كلّ جدار تقسيم روحيّ أو مذهبي يفصل الإنسان عن أخيه الإنسان
December 7, 2025

العبسي: لنهدم كلّ جدار تقسيم روحيّ أو مذهبي يفصل الإنسان عن أخيه الإنسان

ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي الليترجيا الالهية بمناسبة عيد القديس نقولاوس  في كنيسة القديس نقولاوس  في صيدا   يعاونه راعي ابرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك المطران ايلي بشاره حداد ولفيف من كهنة الابرشية بحضور مطارنة  ووزراء ونواب حاليين وسابقين ورؤساء بلديات وفاعليات المدينة وحشد من المؤمنين .
وبعد الانجيل المقدس القى العبسي عظة جاء فيها: "نقف اليوم أمام مائدة الكلمة لنستمدّ غذاءنا الروحيّ من نصّين مقدّسين يضيئان تفكيرنا في هذه الفترة التي نستعدّ فيها لعيد الميلاد المجيد: رسالة بولس الرسول التي تدعونا إلى السلوك كأبناء للنور، وإنجيل لوقا الذي يكشف لنا عن حرّية المحبّة التي تحرّر الإنسان من عبوديّة الحرف والجمود. وفي هذا اليوم، تضيء سماءنا ذكرى شفيع هذه الكاتدرائيّة، القدّيس نقولاوس، الذي جسّد هذا النور وهذه الحريّة في حياته الرعويّة والخدميّة.

في نصّ الرسالة التي تليت على مسامعنا، يرسل إلينا بولس الرسول دعوة قاطعة قائلًا: "أُسلُكُوا كَأَبناءِ ٱلنّور". لا يقدّم القدّيس بولس هذه الدعوة كنصيحة اختياريّة نقوم بها متى شئنا أو استطعنا، بل يأتي بها كتعريف لهويّتنا المسيحيّة الجديدة بعد المعموديّة. فنحن لسنا مجرّد أناس يحاولون أن يكونوا صالحين؛ بل نحن بالأساس قد استنرنا بنور المعرفة الإلهيّة وبالتالي نصير نورًا في الربّ. يُشدّد الرسول على أنّ السلوك كأبناءٍ للنور لا يتطلّب جهدًا خارقاً لإثبات الذات، بل يتطلّب ببساطة السماح للروح القدس أن يثمر في حياتنا: "فَإِنَّ ثَمَرَ ٱلرّوحِ هُوَ في كُلِّ صَلاحٍ وَبِرٍّ وَحَقٍّ". إنّ أعمالنا الصالحة هي الثمر الطبيعي للإيمان الحيّ. هي ليست شروطًا ننال بها الخلاص، بل هي العلامات التي تظهر بعد أن نكون قد نلنا الخلاص بالإيمان. الإيمان يزرع، والروح يسقي، والخير يفيض من تلقاء نفسه. 

يُقابل الرسول بين هذا الثمر و"أَعمالِ ٱلظُّلمَةِ ٱلَّتي لا ثَمَرَ لَها". أعمال الظلمة هنا لا تقتصر فقط على الكبائر الواضحة، بل تشمل أيضًا الانغلاق، والكسل الروحيّ، واليأس، والحياة بلا هدف أو من أجل هدف ماديّ بحت. أعمال الظلمة هي كلّ ما يجعلنا غافلين عن دعوتنا الحقيقيّة، أي الشهادة للنور. لهذا نسمع الرسول يصرخ صرخته المدويّة: "استَيقِظ أَيُّها ٱلنّائِمُ وَقُم مِن بَينِ ٱلأَمواتِ، فَيُضيءَ لَكَ ٱلمسيح". الاستيقاظ هنا هو اليقظة أي أن نعيش بكامل وعينا لوجود المسيح النور فينا".

أضاف: "سمعنا أيضًا في الرسالة كلام بولس عن الأيّام الشريرة، فيوصينا بضرورة أن "نفتدي الوقت" وأن نسلك "بِحَذَرٍ، لا كَجُهَلاءَ، بَل كَحُكَماءَ." هذا الافتداء للوقت ليس تقتيرًا ماديًّا ولا برنامجًا منظّمًا مليئًا ولا ابتعادًا عن العبث واللهو، بل هو استغلال الوقت للفرص الروحيّة ولفهم ما هي "مَشيئَة ٱلرَّبّ." أن "نفتدي الوقت" يعني أن نُكرّس طاقاتنا، التي قد تُهدَر في السكر أو اللهو الفارغ (كما يذكر الرسول)، للامتلاء بالروح، وتسبيح الرب والإشعاع بنوره. فالنور الحقيقيّ يرافق الفرح الروحيّ المعبّر عنه بالتسبيح، لا بالغفلة والجهل. 

ينقلنا الإنجيل مباشرة إلى مواجهة بين النور والحريّة من جهة، وحرفيّة الناموس من جهة أخرى. المرأة المنحنية التي ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة كانت رمزًا لحالة الإنسان المقيّد تحت ثقل الخطيئة. عندما شفاها يسوع وكسر قيودها في يوم السبت، أثار غضب رئيس المجمع الذي كان يرى في تطبيق القاعدة أمرًا أهمّ من تحرير الإنسان. هنا، ومن جديد، يذكّر يسوع بالميزان الإلهيّ سائلًا الفريسيّين عن كسر قاعدة السبت: "أَما يَحُلُّ كُلُّ واحِدٍ مِنكُم ثَورَهُ أَو حِمارَهُ في ٱلسَّبتِ مِنَ ٱلمِذوَدِ وَيَنطَلِقُ بِهِ فَيَسقيه؟" فكم بالحريّ يجب أن نفعل من أجل خير الإنسان؟
إنّها دعوة جذريّة لنا اليوم: إننا نحن نضع القوانين والأنظمة والطقوس لكي تساعدنا على السلوك في المحبّة، لكن متى أصبحت هذه القواعد حجابًا يفصلنا عن رؤية وجع الإنسان والعمل على تحريره، فإنّها تفقد معناها وتصبح عبادة أوثان وعادات صنميّة خالية من الروح. إنّ المبدأ المسيحي الحاكم هو أنّ مجد الله يكمن في خلاص الإنسان، وأنّ كرامة الإنسان هي الغاية التي يجب أن تخدمها جميع القوانين والأنظمة البشريّة والكنسيّة. فالمسيحيّ الذي يسلك كابن للنور يسعى لمجد الله من خلال البحث عن خير الإنسان، وليس من خلال تطبيق قوائم جافّة من الممنوعات والمسموحات.

إنّ سيرة القدّيس نقولاوس تجسّد هذا المزيج من نور الإيمان وحريّة الروح. فكلّ أعماله الخيّرة كانت خفيّة، لم يسعَ بها لنيل مديح الناس (السلوك كابن للنور)، وكانت في الوقت ذاته تكسر قواعد التزمّت البشريّ لصالح المحتاجين (تحرير الإنسان). وقد صار بذلك رمزًا للذين يمدّون يد المساعدة للمحتاجين وللذين ينتصرون على من يعيثون شرًّا وفسادًا، وللذين ينتصرون للكنيسة ولأبنائها المستضعفين خصوصًا. بالإضافة إلى ذلك نعلم من سيرة القدّيس نقولّاوس أنّه كان معينَ الأطفال وسابقَ بابا نويل بتوزيع المساعدات والهدايا، بحيث عُرف بقدّيس الرجاء والفرح يتمتّع بشعبيّة كبيرة، شُيّدت على اسمه كنائس كثيرة في الشرق والغرب وتكنّى باسمه كثيرون.  

وها نحن اليوم نكرّمه، قائمين في كنيسته في مدينتنا صيدا، في كاتدرائيّة القديس نقولّاوس. هذه الكنيسة التي هي استمرار للكاتدرائيّة الأثريّة القديمة هي رمزٌ وعنوان لأبرشيّة صيدا التي لها دور كبير وفاعل في تاريخ كنيستنا الملكيّة بصمودها وتمسّكها بعقيدتها. لقد مررتم بصعوبات وواجهتم تحدّيات بيد أنّ هذه على الرغم من ثقلها في أكثرَ من مجال لم تَفُتَّ عضُدكم ولم تقطع الرجاء الساكنَ فيكم فلبثتم تحملون الشهادة الإنجيليّة فيما بينكم وفيما حولكم فرحين بأن تكونوا ملح الأرض وخميرة العجين ونور العالم على نحو ما صوّرنا السيّد المسيح نفسه. إنّ حضوركم هو حقًّا شهادة حبّ وأخوّة وصداقة وإرادة وقدرة على الانفتاح والتضحية ونبذِ العزل والرفض للقريب المختلف".  

وختم العبسي: "إنّ النور الإلهي والمجد الذي يفرح به الجميع هو نور المحبّة والوحدة. لهذا، فإنّ هذه الكاتدرائيّة، بعد مسيرة من التلاقي مع الإخوة الأرثوذكس، مدعوّة إلى أن تكون حافزًا قويًّا للعمل المسكونيّ، إلى أن تكون صرخة تقول لنا: إنّ هدفنا الأسمى هو أن يعكس جسدُ المسيح (الكنيسة) النورَ الواحد والروح الواحد، بعيدًا عن قيود التزمّت والانغلاق إنّما بالحقّ والمحبّة كما يقول القدّيس بولس. فكما حرّر المسيح المرأة من انحنائها، يجب أن يتحرّر أبناء الكنيسة من انحنائهم أمام الخلافات البشريّة، وأن يواصلوا العمل والصلاة من أجل وحدتهم الكاملة.

وإذ نحن في هذا المكان المقدّس، لا يسعنا إلّا أن نفكّر بغنى مدينة صيدا وعراقتها التاريخيّة  وبعيش أبنائها الواحد مع الآخر، المسيحيِّ مع المسلم، من خلال الجيرة والصداقة والزمالة، حاملين هموم هذه المدينة معًا وساعين يدًا بيد لتطويرها وتنميتها.

أبنائي الأحبّاء، أهنّئكم جميعًا بعيد القدّيس نقولّاوس وخصوصًا راعي الأبرشيّة سيادة المطران إيلي بشارة الجزيل الاحترام شاكرًا إيّاه على ما يقوم به لخدمة أبنائه بغيرة الراعي الصالح ومحبّته وتفانيه وحكمته. أعايد الذين يحملون اسم شفيع هذه الكنيسة نقولّاوس وأدعوكم جميعًا لنجدّد عهدنا على السلوك كأبناء للنور، حتّى نجعل أعمالنا الصالحة تفيض كـنتيجة طبيعية للإيمان الحيّ فينا، حتّى نجعل المحبّة والرحمة وخير الإنسان هي المقياس الذي نزن به كلّ قانون حياتنا. ولنُبقِ أعيننا شاخصة إلى وحدة أبناء هذه المدينة، فنعملَ على هدم كلّ جدار تقسيم روحيّ أو مذهبي يفصل الإنسان عن أخيه الإنسان. لِيُنِرِ المسيح قلوبنا، ويهدِنا إلى فهم مشيئته، لنكون دائمًا فرحين، وممتلئين من الروح، ومُمجّدين للآب على مثال شفيعنا القدّيس نقولّاوس. آمين".

 

الراعي: لبنان يحتاج إلى رحمة
December 7, 2025

الراعي: لبنان يحتاج إلى رحمة

رأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس اليوم الدولي للأشخاص ذووي إعاقة على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، " كابيلا القيامة " عاونه فيه المطرانان حنا علوان والياس نصار، أمين سر البطريرك الأب كميليو مخايل، أمين سر البطريركية الأب فادي تابت، المرشد والمشرف على مكتب راعوية الأشخاص ذووي إعاقة في الدائرة البطريركية الأب ميلاد السقيّم، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور النائبين ندى البستاني ونجاة صليبا، المدير العام للاحوال الشخصية ردينة مرعب ممثلة وزير الداخلية والبلديات  احمد الحجار، ربيع الاسطا ممثلا النائب نعمة افرام، الوزير السابق جوني القرم، حشد من الفاعليات السياسية والنقابية والدبلوماسية والدينية والإعلامية اضافة الى مكتب راعوية الأشخاص ذووي إعاقة برئاسة منسقة المكتب الإعلامية داليا فريفر،وحشد من الأشخاص ذووي الإعاقة من مختلف المؤسسات الاجتماعية والمؤمنين. 

بعد الإنجيل المقدس، القى الراعي عظة، بعنوان: "اسمه يوحنا " قال فيها:

بعد القداس استقبل البطريرك الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية ومباركا الأشخاص ذووي إعاقة.

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس اليوم الدولي للأشخاص ذووي إعاقة على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي " كابيلا القيامة " عاونه فيه المطرانان حنا علوان والياس نصار، أمين سر البطريرك الأب كميليو مخايل، أمين سر البطريركية الأب فادي تابت، المرشد والمشرف على مكتب راعوية الأشخاص ذووي إعاقة في الدائرة البطريركية الأب ميلاد السقيّم، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات في حضور النائبين ندى البستاني ونجاة صليبا،مدير عام الاحوال الشخصية ردينة مرعب ممثلة وزير الداخلية والبلديات  احمد الحجار،ربيع الاسطا ممثلا النائب نعمة افرام، الوزير السابق جوني القرم،حشد من الفعاليات السياسية والنقابية والديبلوماسية والدينية والإعلامية اضافة الى مكتب راعوية الأشخاص ذووي إعاقة برئاسة منسقة المكتب الإعلامية داليا فريفر،وحشد من الأشخاص ذووي الإعاقة من مختلف المؤسسات الاجتماعية والمؤمنين. 

بعد الإنجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة بعنوان:"اسمه يوحنا " قال فيها: "تحتفل الكنيسة، في هذا الأحد من زمن الميلاد، بعيد مولد يوحنّا. وهو حدث يحمل ثلاث حقائق لاهوتية وروحية عميقة هي: ولادة الرحمة في بيت أليصابات العاقر، للدلالة أن التاريخ لا يُكتب بالعجز بل بالنعمة؛ اسم يوحنا يعني الله رحوم، فالاسم ليس مجرّد هوية، بل رسالة ومسار حياة؛ انحلال لسان زكريا، إذ زال بكمه عندما كتب: "اسمه يوحنا". فالرحمة تحرّر والكلمة الإلهية لا تبقى ساكتة، بل تفتح الأذهان والقلوب المغلقة، وهكذا تعيد للكلمة دورها النبوي، وتظهر أن طريق الرب يبدأ دائمًا بالرحمة.

لم تكن ولادة يوحنا حدثًا عائليًا عاديًا، بل كانت بداية مرحلة جديدة تعلن أن الله أمين لوعده. وحين جاء الأقارب ليهنّئوا، أرادوا تسمية الطفل باسم أبيه، لكنّ الوحي الإلهي كان واضحًا: "يُدعى اسمه يوحنا"، فيدرك الجميع أنّ هذا الطفل لا ينتمي فقط لعائلة زكريا وأليصابات، بل هو ابن الرسالة، ابن الدعوة، ابن الله. وفي اللحظة التي كتب فيها زكريا اسم ابنه، انفتح فمه وبارك الله، فصار النطق بداية نبوءة، وصار الكلام شفاءً لسنوات الشك. إنّ ولادة يوحنا، وتسمية يوحنا، ونطق زكريا، ليست أحداثًا متتابعة فقط، بل هي مسار تهيئة لمجيء المسيح: يولد الرجاء، يُعلن الاسم، وتُطلق الرسالة بصوت نبيّ".

وتابع: "نقيم اليوم القداس على نيّة الأشخاص ذوي إعاقة، وعلى نيّة عائلاتهم والمؤسسات التي تُعنى بهم. إنّنا نحتفل اليوم بيومهم الدولي الذي يقام في الثالث من شهر كانون الأول. ويتّخذ احتفال اليوم شعار: "كلّنا على صورته"، للدلالة أنّ جميع الناس مخلوقون على صورة الله التي توحّدهم في الكرامة والحقوق والمساواة. فإنّا نحيّي مكتب راعويّة الأشخاص ذوي إعاقة في الدائرة البطريركيّة، ونشكره على تنظيم هذا الاحتفال. نرفع صوتنا اليوم عاليًا لنقول: إنّ الأشخاص ذوي إعاقة ليسوا على هامش المجتمع، ولا على أطراف الدولة، بل في قلبها. لديهم حقوق كاملة، إمكانات كاملة، قدرات يحملونها في كيانهم، حقّهم بالدخول في الحياة الوطنية، في وظائف الدولة، في القرار، في العمل، في الفرصة المتساوية، هو واجب لا منّة. إنّ تأمين حاجاتهم، وتأمين أجورهم، وتسهيل حياتهم، ليس خدمة اجتماعية، بل واجب وطني وإنساني، وربح كبير لمجتمعنا. لقد أثبتوا عبر تاريخ طويل أنهم قادرون ومقتدرون، وأنهم يملكون طاقات تصنع فرقًا في مجتمعنا. نكرّمهم اليوم، ونصلي لأجلهم، ولأجل من يخدمهم بالمحبة والكرامة.ولا بدّ من التوقّف عند الحدث التاريخي الذي عاشه لبنان قبل أيام قليلة، زيارة قداسة البابا لاون الرابع عشر، الذي غادرنا قبل أربعة أيام فقط، زيارة ستبقى محفورة في تاريخ بلدنا. لقد دخل البابا أرض لبنان كحامل رسالة سلام ورجاء، كصوت يذكّر العالم بأنّ لبنان ليس مجرّد مساحة جغرافية، بل رسالة، كما قال سلفه القديس يوحنا بولس الثاني. وكانت كلمات البابا، في عظاته وخطاباته، دعوة واضحة إلى المصالحة، إلى إعادة بناء الثقة، إلى أن يعيش لبنان رسالته في التنوّع، وأن يصنع من جراحه جسراً للحوار. زيارة البابا كانت ثمرَة رحمة، ونسيمَ سلامٍ على وطن متعب، ولم تكن حدثًا يمرّ، بل علامة على مستقبل يجب أن نصنعه، لأن الزيارات التاريخية قيمتها بما تخلّفه، لا بما مضى منها. لذلك نقول، كما تلهمنا تعاليم قداسة البابا، إنّ السلام ثمرة الرحمة، وثمرة الرحمة المصالحة. فعندما يتجذّر فعل الرحمة في حياة الإنسان والمجتمع، تُشفى القلوب من الأحقاد، وتنفتح الطرق أمام اللقاء الصادق. وعندما تتحقّق المصالحة في الضمير، في البيت، في السياسة، وفي بنية الدولة عندها فقط يبدأ السلام أن يتجسّد واقعًا، لا مجرد أمنية. هذا ما حمله إلينا قداسة البابا في صوته الواضح: أن يتجاوز اللبنانيون منطق الانقسام، وأن يعودوا إلى روح الرحمة التي تبني، وتُصالح، وتُعيد لوطنهم رسالته. فهنيئًا للبنان بهذه الزيارة التي تذكّرنا بأن مستقبل هذا الوطن يبدأ من قلب يتّسع بالرحمة، ويكبر بالمصالحة، ويثمر سلامًا للجميع".

وقال: "بالعودة إلى إنجيل مولد يوحنّا، لبنان اليوم محتاج إلى هذه الرحمة، إلى رحمة تفهم حاجته، وتداوي أزماته، وتعيد إليه وجهه الحقيقي. لكن الرحمة التي نحتاجها ليست رحمة الشفقة، بل الرحمة التي تغيّر وتبني، الرحمة التي قاد الله بها تاريخ الخلاص: رحمة قوية، فاعلة، متحرّكة. رحمةٌ تحوّل العقم السياسي إلى ولادة حلول، تحوّل بكم المؤسسات إلى كلمة حقّ، تحوّل صمت الدولة إلى مبادرة، تحوّل الانقسام إلى حوار، تحوّل اليأس إلى مشروع. لبنان يحتاج إلى رحمة على مستوى السياسة كي تتحوّل السلطة إلى خدمة، والحكم إلى مسؤولية، والقرار إلى ضمير. على مستوى الاقتصاد كي تُفتح أبواب العمل، وتُنقذ العائلات من أثقال الأزمة. على مستوى المجتمع كي يبقى الإنسان في قلب الاهتمام، بكرامته، وقدرته، وحقوقه. على مستوى الشراكة الوطنية كي تعود الثقة بين مكوّنات الوطن، ويعود لبنان بلد العيش معًا، لا بلد الانغلاق والخوف. الرحمة ليست ضعفًا في السياسة، بل هي قوّة تصنع التغيير. فالله لم يرسل يوحنا لأنه بحاجة إلى نبي، بل لأن الناس بحاجة إلى صوت يعيد إليهم الرجاء. وهكذا نحن في لبنان: نحتاج إلى صوت يشبه صوت يوحنا، صوت يوقظ الضمير، وينادي بالعدالة، ويعلن أن المستقبل ممكن، وأن القيامة تبدأ من كلمة، ومن جرأة، ومن قرار. إنّ اسم المرحلة رحمة، واسم الحكم خدمة، واسم السياسة ضمير، واسم الدولة كرامة الإنسان. نحن بحاجة إلى رحمة تترجم بـمسؤولية صادقة، احترام القانون، حماية الضعيف، دعم المؤسسات، خلق فرص للمستقبل، ورؤية لا ردّات فعل".

وختم الراعي: "العالم كلّه اليوم يبحث عن رحمة، لكن لبنان أكثر من يحتاج إليها، لأن الرحمة وحدها تغيّر المسار وتفتح الطريق. تمامًا كما فتح الله طريق الخلاص بولادة يوحنا، يمكن لرحمتنا السياسية والاجتماعية أن تفتح طريق القيامة الوطنية. فلنصلّ، كي تكون ولادة يوحنا علامة لولادة لبنانية جديدة، وكي يتحوّل بكم الواقع إلى كلمة حقّ، وصمت المؤسسات إلى مبادرات، وعقم السياسة إلى مشاريع حياة، رافعين المجد والشكر لله الرحوم الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

السقيم: كما كانت كلمة للأب ميلاد السقيم، قال فيها: "نلتقي اليومَ في هذا القداس الإلهي لنرفعَ معاً صلاتَنا بمناسبة اليوم العالمي للأشخاصِ ذوي الإعاقة. يومٌ يدعونا الى التأملِ في جمالِ الإنسان وكرامتِهِ التي منحها اللهُ لكلِّ انسانٍ منّا دون تمييز. نأتي اليوم أمام المذبح المقدّس حاملين قلوباً شاكرةً لكلِ شخصٍ جعلَ من ضعفِهِ قوّةً، ومن تحدِّياتِه شهادةً حيّةً للثقةِ باللهِ والرجاءَ فيه. هذا اليومَ، هو دعوةٌ لنفتَحَ أعيُننا وقلوبُنا لنرى حضورَ الله في كل واحدٍ منّا، وبالأخصِ في إخوتنا وأخواتنا الأشخاص ذوي الإعاقة، وما زيارةُ قداسة البابا لاوون الرابع عشر الى بلدنا سوى لحثِنا على التقاربِ فيما بيننا على اختلافِ انتماءتنا وإعاقَتنا ولنُجدّدَ إلتزامنا كجماعةٍ مسيحية بأن نكون عالماً يحتضِنُ، ويسندُ ويمنحُ الفرصَ للجميع، فالمسيحُ نفسُهُ علّمنا أن القوةَ تَكمُن في المحبة، وأن الكرامةَ تُبنى حين نرى في كلِّ انسانٍ ايقونةً لله".

وتابع: "فلنرفع معاً صلاتنا كي يفيضَ الرب نعمتَه على كل شخص منّا وعلى عائلاتنا وعلى كل مَن يخدُمَ بمحبةٍ، طالبينَ أن يزرع الرب في قلوبنا روحَ الشراكةِ، والرحمةِ، والإحترامِ المتبادل. في مقدّمةِ هذا القداس الإلهي، نقدّمُ أربعَة عناصرَ اساسية لتكونَ شعاراً في حياتِنا اليومية: الحمامة والتي ترمزُ الى حلول الروح القدس. ترمزُ الى السلام والطهارة والبراءة وترمزُ أيضاً للمحبةِ والوفاء. السراجُ: يرمزُ الى كلمة الله كونها تنيرُ حياةَ الانسانِ وتوجِّهُ خطواتِه. وهو ايضا رمزٌ الى النور الذي يجب أن يظهرَ للمؤمنين ليضيءَ للعالم كي يكون الانسانُ دائمَ الاستعدادِ لمجيء المسيح. وهو كذلك رمزٌ للشهادةِ والسلوكِ الصالح.  الميزان، يصوّرُ الله كقاضٍ عادلٍ لا يجاملَ ولا يظلمَ احداً.  الميزانُ يرمزُ الى دقةِ عدلِ الله الذي يرى كلَّ شيءٍ ويُحاسِبَ بالحقِ. وهو يُعبّرُ عن أن حياةَ الانسانِ وأعمالِهِ توزنُ أمامَ الله، الذي عدالَتَهُ تترافقَ دائماً مع الرحمةِ والمغفرة ومنحِ الفرصَ للتوبةِ والغفران.  شعارُ القداسَ الاحتفالي "كُلّنا على صورتِهِ"، نعم، كُلّنا على صورةِ اللهِ خُلقنا ومدعوونَ للمحافظةَ معاً على هذه الأيقونةِ التي تُجسِّدُ الدمجَ، والوحدةُ تجمعنا معاً في صورةِ المسيح، لنكونَ بأجمَعنا واحداً ونعملَ  بالروح الواحد".

وفي ختام القداس، ألقت منسقة المكتب الإعلامية داليا فريفر كلمة شكرت فيها للراعي ترؤسه قداس اليوم كما شكرت لجميع الذين شاركوا في هذه الذبيحة الإلهية. 

بعد القداس استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية ومباركا الأشخاص ذووي إعاقة.