Tuesday, 19 August 2025

جاري التحميل...

جاري التحميل...

عاجل
أوكرانيا بين قمتي ألاسكا والبيت الأبيض: هل يحسم الصراع بتقديم التنازلات؟

أوكرانيا بين قمتي ألاسكا والبيت الأبيض: هل يحسم الصراع بتقديم التنازلات؟

August 18, 2025

المصدر:

النهار - د. خالد العزي

يسعى بوتين للتفاهم مع الولايات المتحدة باعتبارها أحد القطبين الرئيسيين، دون أن يلتفت إلى القطب الثالث، الذي يحاول عزله قسرياً من أجل الحفاظ على دور روسيا الريادي في المستقبل.

هل ينجح دونالد ترامب، رجل الصفقات، في إحداث اختراق ديبلوماسي بين روسيا وأوكرانيا بعد مرور أربع سنوات على الحرب؟

في محاولة لوقف المزيد من النزيف الدموي، كان ترامب قد عقد قمتين؛ الأولى في ألاسكا حيث صاغ بوتين شروطه، والثانية في البيت الأبيض مع زيلينسكي لعرض هذه الشروط. ورغم فشل الجهود في التوصل إلى اتفاق، لكن الحوار بدأ وسيأخذ مساراً جديداً.

السؤال المثير الذي طرحه العديد من المراقبين والمتابعين في مجال السياسات الخارجية: لماذا طالب بوتين في قمة ألاسكا بإنهاء الحرب في أوكرانيا بدلاً من السعي نحو هدنة موقتة؟ كان إنهاء الحرب مطلباً رئيسياً ضمن الشروط التي اقترحها على نظيره الأميركي دونالد ترامب، لكن لم يتم التعليق على هذه الشروط بشكل رسمي. وتضمنت هذه الشروط: خروج القوات العسكرية الأوكرانية من مناطق الدونباس (لوغانسك ودونيتسك)، وتجميد جبهتي القتال في خيرسون وزاباروجيا، والبقاء في جزيرة القرم، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بهدف الحفاظ على الأمن القومي الروسي، بالإضافة إلى رفع العقوبات الغربية عن روسيا بسرعة، مع تعهد روسيا بعدم مهاجمة أوكرانيا أو الدول الأوروبية.

هل تفتح القمم طريقاً للحوار بين الطرفين؟

في قمة ألاسكا التي عقدت بتاريخ 15 آب/ أغسطس 2025، استطاع الرئيس بوتين فعلياً الخروج من العزلة التي وضعته فيها بداية الحرب الأوكرانية. تمكّن من التملص من عقوبات كانت قد أعدتها الولايات المتحدة في حال فشل الحوار بين الرئيسين. عبر عرض المطالب الروسية شبه المستحيلة، والتي لم يعلق عليها الرئيس الأميركي، نقل بوتين الأزمة الفعلية إلى داخل الاتحاد الأوروبي، حيث أصبح من الصعب على الدول الأوروبية تجاهل مطالبه بإنهاء الحرب وعدم تبني مواقف أوكرانيا التي تُعتبر وجودية بالنسبة لهذا البلد.

لكن القمة في ألاسكا قد فشلت، ولم يتوصل الطرفان إلى إعلان مبادرة سلام في أوكرانيا، خلافاً لما كان يتوقعه الرئيس دونالد ترامب. فقد فهم ترامب أن بوتين لن يقدم له أي انتصارات مجانية أو يمرر أي صفقة إلا إذا كانت لصالحه، وهي القائمة على استسلام أوكرانيا بالتفاوض، وهو أمر يصعب على روسيا تحقيقه عسكرياً.

في المقابل، حاول ترامب التواصل مع قادة الدول الأوروبية بعد أن رمى بوتين الكرة في الملعب الأوروبي، للنقاش حول كيفية التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا لحل أزمة الحرب الأوكرانية، وإقناع أوكرانيا بقبول المطالب الروسية المطروحة وتقديم ضمانات أمنية ثنائية، كما حال عدد  من دول العالم. فهل تنجح قمة البيت الأبيض في تحقيق ما عجز ترامب عن تحقيقه في ألاسكا؟

من هنا، أصبح ترامب يدرك أنه لا يستطيع فرض مطالب الرئيس بوتين على الرئيس فولوديمير زيلينسكي، لأن عملية الضغط السابقة قد اختلفت تماماً، حيث أصبح زيلينسكي يحظى برعاية أوروبية كاملة. وعليه، علم ترامب أنه لا يمكنه تجاوز الاتحاد الأوروبي والأمن القومي الأوروبي، ما دفعه لتنظيم قمة أوروبية في 18 آب/ أغسطس في البيت الأبيض، بهدف مناقشة مطالب بوتين ومحاولة الوصول إلى رد نهائي مشترك من الفريق الأوروبي. المشكلة لم تعد مشكلة الرئيس زيلينسكي، بل هي تتعلق بحقوق الشعب الأوكراني التي لا يمكن التخلي عنها، وهي قضية وجود أو عدم وجود. والقضية الأخرى تتعلق بالأمن القومي الأوروبي، الذي يخشى الأعمال العدوانية والانتقامية من روسيا، ما يعني أن القضية أصبحت قضية ثقة بين الطرفين. لذلك، لا مجال لأي حلول قد تبحث دون تقديم البدائل.

العزلة الروسية وتأثير العقوبات

كانت القمة حاجة روسية من أجل فك العزلة عنها ورفع العقوبات المقبلة. كان لا بد من المهادنة مع الرئيس ترامب، خاصة في ظل العقوبات الأميركية الجديدة التي ستضع روسيا في أزمة خانقة. فقد قدم السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، المعروف بخطابه المناهض لروسيا، مشروع قانون للعقوبات ينص على فرض رسوم جمركية أميركية بنسبة 500% على السلع المستوردة من الدول التي تشتري النفط والغاز الطبيعي واليورانيوم من روسيا. وروسيا تواجه أكثر من 35 ألف عقوبة اقتصادية، وستتسبب العقوبات الجديدة في أزمة فعلية.

الحرب واستنزاف الاقتصاد الروسي

من ناحية أخرى، يعلم الرئيس فلاديمير بوتين جيداً أن الاقتصاد الروسي يعاني من حالة شلل واضح بسبب العقوبات والحرب. فقد أدت العقوبات إلى تضخم اقتصادي أثر على الدخل القومي، ما حول المجتمع الروسي إلى مجمع صناعي حربي، ينتج من أجل الجبهة فقط دون الوفاء بالمتطلبات الكاملة، حيث بات يتردد أن هناك نقصاً في العتاد والإمدادات اللوجستية المطلوبة في الجبهة، ما أدى إلى تقليص الصناعات الأخرى لصالح الصناعات العسكرية، وهو ما أكده وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي في 19 حزيران/ يونيو 2025، إذ أشار إلى أن الاقتصاد الروسي يوشك على الانزلاق نحو الركود.

انهيار أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، والتي وصلت إلى 60 دولاراً للبرميل في وقت كانت فيه الدولة قد وضعت ميزانيتها على سعر 70 دولاراً للبرميل،  وخصةوصاً أن الحصار الغربي أدى إلى بيع هذه المواد بأسعار زهيدة استفادت منها دول مثل الصين والهند، على حساب الخزينة الروسية التي استفادت من هذه الدول دون عقود مبرمة أو مصادقة في البرلمان، ما يضع تمويل الحرب في أزمة فعلية بحال تراجع أسعار النفط والغاز أكثر فأكثر .   

أزمة العقوبات والعمل الأجنبي

الانخفاض في أسعار النفط قد يخلق مشكلة جديدة لروسيا، إذ تراجعت عائدات النفط والغاز بشكل كبير. على الرغم من أن روسيا تتفاخر بأن العقوبات لم تؤثر على الاقتصاد بشكل فعال، إذ لم يتجاوز الانخفاض في الإنتاج القومي أكثر من 2.5%، إلا أن دخول العمالة الأجنبية، وبخاصة العمالة الكورية الشمالية، يعكس تأثيراً ملموساً على سوق العمل الروسي، حيث تناولت تقارير دولية، بما في ذلك قناة BBC بتاريخ 12 آب/أغسطس من هذا العام، "معاناة العمال الذين يعملون في ظروف قاسية في روسيا".

ما يؤكد ذلك أن غياب العنصر البشري الروسي أدى إلى نقص في اليد العاملة، التي تُستخدم لملء الفراغ في الجبهة التي تتكبد الخسائر البشرية، إضافة إلى التحديات اللوجستية. وبذلك، فإن الحرب ستستمر ما لم يتمكن بوتين من تحقيق نتائج ملموسة من خلال تسوية تسمح له بالتباهي أمام الرأي العام بأنه حقق شروط "العملية الخاصة" التي خاضها ضد أوكرانيا وأجبرها على رفع الراية البيضاء.

في النهاية لا بد من القول إن مشكلة روسيا في فتح جبهات الحرب المتعددة هي اقتصادية بالدرجة الأولى، بغض النظر عن جميع الحجج الواهية التي يعلنها النظام؛ فالسيطرة على أوكرانيا وبعض دول الاتحاد السوفياتي السابق، وكذلك بعض دول أوروبا الشرقية، هو مطلب جيوسياسي اقتصادي لروسيا، كونها محاصرة بين الاتحاد الأوروبي والصين، ما يشكل ضغطاً قوياً عليها ويحرمها من إعادة ترتيب دورها الجيوسياسي في حال فقدان هذه الدول. لذلك، يسعى بوتين للتفاهم مع الولايات المتحدة باعتبارها أحد القطبين الرئيسيين، دون أن يلتفت إلى القطب الثالث، الذي يحاول عزله قسرياً من أجل الحفاظ على دور روسيا الريادي في المستقبل.

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

  

Posted byKarim Haddad✍️