الراهبة المحللة النفسية التي تساعد الأشخاص على تجاوز الصدمات


On 24 November, 2022
Published By Tony Ghantous
الراهبة المحللة النفسية التي تساعد الأشخاص على تجاوز الصدمات

تيريزيان بارتونيوفا

أنتمي إلى جمعية راهبات الرحمة للقديس شارل بورومي، نحن جمعية ناشطة جدا إلا أن الجانب التأملي هو أساسي بالنسبة لنا في الوقت ذاته. رسالتنا هي أن نكون قريبين ممن يعانون، وقد قامت راهباتنا الأُول بعلاج مرضى الطاعون على طرقات نانسي الفرنسية بعد حرب الثلاثين سنة.

كانت مهنتي الأصلية التمريض وقد عملت لسنوات كثيرة في مستشفانا في براغ وذلك في أقسام مختلفة. وهناك وُلدِت الرغبة في أن أفهم بشكل أفضل الديناميات الداخلية للشخص، تلك النفسية. لقد حدث أن روى لي بعض المرضى قصصهم ومعاناتهم، وفي بعض الأحيان كان أقارب المرضى أيضا يشعرون بالحاجة إلى هذا التقاسم. لقد تنبهتُ إلى أن الإصغاء يساعد في تخفيف المعاناة وشعرتُ بالحاجة إلى أن تتوفر لدي أدوات ملائمة كي أتمكن من مساعدة من حدثوني عن آلامهم.

وفي تلك الفترة تحديدا بدأتُ بدراسة اللاهوت والاهتمام أيضا بموضوع الجروح الداخلية. وقد خصصت موضوع تخرجي في اللاهوت لقضية متداخلة التخصصات، ألا وهي أهمية قبول الشخص لما عاش من قصص وتشافيه منها وذلك من أجل النمو الروحي. ولقد أعطني المشرفة على مشروع تخرجي، وهي عالمة نفس، تحفيزا هاما لمواصلة دراسة علم النفس.

وهكذا انتقلتُ إلى روما وسجلت نفسي في معهد علم النفس في جامعة غريغوريانا الحبرية. ولدى عودتي إلى براغ بدأت العمل كمحللة نفسية مع الكثير من مرضى لديهم صدمات مركبة. كان بعضهم قد تعرض لاعتداءات جنسية، وهي صدمة مركبة جدا تتطلب عملا خاصا وشاقا. حاولت أن أدرس كثيرا كي أعرف كيف يمكنني أن أساعد بشكل أفضل هؤلاء الأشخاص، وكنت أبحث عن مقاربة أكثر فعالية دائما. وفي هذا الإطار تعرفت على منهج EMDR (إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين).

يتميز هذا الأسلوب بفعالية كبيرة إلى جانب كونه مرهفا، فهو يساعد على تخفيف معاناة الأشخاص من خلال إعادة معالجة الأحداث الصادمة التي تعرضوا إليها والتي تبقى في شبكات الخلايا العصبية مسببة أعراضا كثيرة. ويتم تطبيق هذا الأسلوب بأشكال متعددة حسب مشكلة المريض والذي يمكن أن يكون قد تعرّض إلى نوعين من الصدمات: علائقية تعود إلى فترة الطفولة، وتلك الناتجة عن ظروف تهدد الحياة في حد ذاتها مثل الكوارث وحوادث الطريق، الزلازل، الحروب الخ.

وإلى جانب أشكال التطبيق المختلفة هناك أيضا أدوات يمكنها أن تُستخدم بشكل فوري عقب الصدمات لمساعدة الأشخاص على بلوغ استقرار في النظام العصبي ومعالجة الأعراض. على سبيل المثال كان هناك قبل عام في الجمهورية التشيكية إعصار دمر خمسا من بلدات منطقة مورافيا، وقامت حينها جمعية EMDR (المعهد التشيكي لعلاج الصدمات باستخدام أسلوب EMDR) التي أنتمي إليها بالاتصال بالزملاء الإيطاليين. وقد قدمت رئيسة جمعية EMDR في إيطاليا الدكتورة إيزابيل فرنانديس دعما كبيرا لنا خلال تلك الكارثة، حيث وفرت لنا أدوات للاقتراب من الأشخاص والمساعدة على مواجهة هذا الوضع. توجهت أنا وزميلتي سوزانا تشيبيليكوفا رئيسة الجمعية في الجمهورية التشيكية إلى مورافيا للعمل مع الأشخاص على أرض الواقع. واتصلنا حينها بالدكتور إغناسيو جاريرو الزميل المكسيكي في الجمعية الذي وضع طرقا خاصة للعلاج الجماعي مفيدة في حالات الكوارث، حيث يصعب متابعة المرضى بشكل فردي ويكون من الضروري بالتالي عقد جلسات جماعية.

لقد أعدتنا هذه الخبرة لمواجهة حالة الطوارئ الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، فبعد أسبوع من اندلاع الحرب نظمت سوزانا تشيبيليكوفا دورات عبر الشبكة للزملاء الأوكرانيين من أطباء وعلماء نفس بالتعاون مع جمعية EMDR في أوكرانيا وبدعم كبير من EMDR أوروبا والدكتور جاريرو. ومذ تلك اللحظة عقدنا دورات عديدة لأكثر من ١٥٠٠ من الزملاء الأوكرانيين الذين تمكنوا من تقديم المساعدة بشكل ملموس على أرض الواقع.

وفي شهر حزيران يونيو وخلال مؤتمر دولي لجمعية EMDR قي فالنسيا تمكنتُ من لقاء بعض الزملاء الأوكرانيين والاستماع إلى شهاداتهم. وقد قال لي أحدهم، وهو يعمل في مستشفى عسكري، أن أسلوب EMDR كالنت له نتائج إيجابية أيضا بالنسبة للعلاج الجسدي للجنود الجرحى، وذلك لأن مساعدتهم على التعامل مع ما تلقوا من صدمات وعلى تهدئة الجهاز العصبي تجعلهم أكثر استجابة للعلاج الدوائي. لقد اختبرنا أيضا في تلك الفترة الرهيبة والصعبة ما يمكننا تبادله من قرب وتضامن وحنان.

لقد كانت خبرة جميلة جدا على الصعيد الإنساني لأننا اختبرنا أنه إذا كان علينا مواجهة واقع مأساوي فإننا نكون قادرين على تبادل المساعدة. يمكن للتضامن أن ينمي زهور الخير والجمال حتى في أكثر الأوضاع الأليمة التي نمر بها.     

المصدر: "Vatican news"


إقرأ أيضاً

الأمم المتحدة تطالب السودان بتشكيل حكومة مدنية: مقابلة مع المرسل الكومبونياني جوليو ألبانيزيه
مقابلة مع رئيس مؤسسة "ميغرانتيس" على هامش أعمال "مهجران الهجرات"