https://www.traditionrolex.com/8


التقاسم الغربي لدول المشرق مهّد لتهجير الفلىسطينيين وتوطين اليهود


On 17 May, 2022
Published By Tony Ghantous
التقاسم الغربي لدول المشرق مهّد لتهجير الفلىسطينيين وتوطين اليهود

أحمد بعلبكي


شهد العقدان الأخيران من القرن الثامن عشر بروز جماعات من كبار المثقفين العرب المعارضين الذين يعلنون اختلافات ولاءاتهم عن الامبراطورية العثمانية وانتماءاتهم للقومية العربية. وتواصلت هذه الاختلافات لتنتهي في ظلّ الانتصار الأوروبي في الحرب العالمية الأولى الى تقاسم مستعمراته وفرض تشكيل لدول مشرقية موالية متجاورة يسهل السماح بتنقل اليد العاملة بينها وبتبادل عروض صناعات من #فلسطين وعروض تجارة وتعليم من لبنان وعروض عمل تقني من العراق (H.Jaber. 13). وقد غلبت على المتنقلين بين هذه الدويلات المتجاورة الميول لتصدير مواردها الزراعية واستيراد المواد الصناعية وآلات التصنيع. وبرزت بعد الأربعينيات الميول الى هجرات اللبنانيين للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وبرزت بعدها الهجرات الشيعية الى أفريقيا والخليج، لحقت بها هجرة النخب خاصّة الى كندا وأوستراليا.

وفي المقابل، انتهت الحقبة الممتدة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية الى تظافر الجهود الأوروبية والإنكليزية منها خاصة إلى إعلانات دعم لتحضيرات الحركة #الصهيونية لإقامة دولتها مراهنة على فرص فرض تقبّلها من الحكومات العربية المجاورة للدولة التي سبق أن تقاسمت قيامها وفرضت الحدود بينها. واقترنت تهجيرات الفلسطينيين من ديارهم بتوسّع إقبال المستوطنين اليهود الشرقيين ممّن شجّعتهم مغريات تسهيل الانتقال والعيش حيثما توزعهم إدارة التوطين الصهيونية المجهّزة في البيوت التي هُجّر منها الفلسطينيون عبر الحدود العربية المجاورة ليستقرّ فيها المستوطنون من أوروبا الشرقية بأدوارهم التأسيسية خاصّة في المجالات الأمنية - الدفاعية والصناعية.

في مواجهة الإصرار الديني الصهيوني الذي انتقل من توسّع الكثلكة في أوروبا الشمالية وألمانيا خاصة الى التكيّف الاندماجي للصهيونية مع الديانة الإنغليكانية الأفعل في الولايات المتحدة الأميركية. وتواصل هذا التكيّف منذ عشية الحرب العالمية الأولى ولم يتراجع مع نهاية الحرب العالمية الثانية.

استمرّ الدعم الغربي لقيام الدولة الصهيونية مستثيراً في المقابل أصوات الاعتراض القومي العربي للنخب المثقفة الراصدة منها والعشائرية المشاركة في حكومات الدول الواقعة تحت ولاءات الدول الغربية الراعية لاستقلالاتها. وقد تمكّن تشارك الاعتراض القومي خلال الستينيات خاصة من فرض تقارب الأنظمة العربية التي برز في مقدمتها منذ مطلع الخمسينيات زعيم مصر الرئيس جمال عبد الناصر وفريق حكمه الذاي أدار التحدّي التعبوي من أجل تحرير فلسطين على امتداد عشر سنوات امتدّت بين أواسط الخمسينيات وأواسط الستينيات. وتراجعت في أعقاب فترة التحدي هذه أصوات المواجهات القومية للحكام خلال السبعينيات لتعقبها خلال الثمانينيات وما بعدها. وقد وجدت أغلبية الأنظمة العربية نفسها، ومنها دول الخليج خاصّة، في حلّ من الالتزام القومي الذي سبق أن استجدّ في مواجهة الدولة العثمانية والذي استمر يحرك دفاعاً عن النظام القومي الناصري مستنداً عربياً ودولياً بدعم استراتيجي من الاتحاد السوفياتي وتحالفاته في دول العالم.

وبعد التغيرات السياسية الدولية والعربية التي انعكست منذ الثمانينيات تراجعاً عربياً ودولياً في إبراز المسألة الفلسطينية وفي دعم حقوق شعبها، وجدت المنظمة الفلسطينية نفسها، حرصاً على استمرار دورها وحراكها وتمويلها خاصّة، أن تظل متوافقة الى حدود مع توجهات الحكومات العربية ومنها الخليجية خاصة منذ مطلع القرن العشرين. وحرصت منظمة التحرير الفلسطينية على إعلان توافقاتها في التقارير الدورية للمنظمة العربية عند مطلع العقد العاشر من القرن العشرين على توافقات بتقبّل الاكتفاء بربع مساحة فلسطين المغتصبة. وقد ارتفع حجم المهجرين من مليون ونصف مليون عام 1949 ليصل اليوم الى ما يقارب خمسة ملايين من الفلسطينيين يلجأ ثلثاهم لتقبّل عيشهم في المخيّمات التي سبق أن هجّروا إليها منذ نحو خمسة وسبعين عاماً الى سوريا والأردن ولبنان.

ومع ضمور التوافقات العربية تراجعت الحقوق الفلسطينية ومعها أهمية دور منظمة التحرير لتنتهي واقعياً في عهدة حكومات الخليج المقدرة بمستويات إثرائها النفطي وحضورها الاقتصادي الإقليمي. وهي حكومات بات نهج حكمها الداخلي وعلاقاتها الخارجية رهينة كرامات حدود عشائر حكامها أينما حلّت وليست رهينة تاريخ قومية على أرض الأمة من محيطها الى خليجها. ولذلك كان تحصين حدود الدولة – العشائرية الغنية في الخليج العربي أولاً بنفطها وبقدراتها المالية والتجارية يمثل غنى يقدّم أولوية تعزيز إمارتها المتوارثة على أولويات قومية الدول العربية المتواجهة في محيطها التجاري – السياسي. وهذا ما أفاد إسرائيل بتسهيل انفتاحها الواسع مع دول الخليج التي انتهت هي أيضاً بضرورة العودة لأولوية مصالحها وذلك خلافاً عن إحراج الدول العربية التي تترابط بغالبيتها (قومياً وليس أكثر) ضد تهجير الشعب الفلسطيني وتقرن انفتاحها على إسرائيل باستنكار (وليس أكثر) لما اغتصبته من حقوق الشعب المهجّر منذ سبعين عاماً وأعطت لليهود الشرقيين خاصة وأولاً دور تأسيس دولة إسرائيل فتوفرت لهم التجهيزات العسكرية والعمرانية. وترافقت حملات التأسيس الصهيونية هذه مع حملات دعم من أطر أوروبية سياسية إنكليزية عالية. وتواصلت حملات المنظمة الصهيونية لاحقاً بإغراء اليهود المترسّخين في مناطق آسيا وفي الدول العربية منها خاصة بالإضافة الى مناطق من أفريقيا ليرغبوا في عروض انتقالهم معها وبأكلافها الى إسرائيل ولينجوا ممّا تخوّفهم به المنظمة الصهيونية من اضطهادات عنصرية ودينية طارئة في البلدان العربية سبق أن عانوا منها منذ لجوئهم إليها مع العرب الى شمال أفريقيا طيلة قرون بفعل طرد الكاثوليك الإسبان للطرفين. ولم يكن ترهيب اليهود من معايشة العرب الذي حرص على نشره أتباع الإدارة الصهيونية إلّا إغراءً للحرص على نقلهم ليعملوا خاصة بما توفر لهم من مستويات متدنية من العمالة التي توفرت لهم في البلاد التي جُلبوا منها وليعيشوا بأمان برعاية دولة إسرائيل الموعودة القويّة والمصونة بالدول الأغنى في العالم.

وهنا لا بدّ من التذكير بما أورده مارك سايكس كبير المسؤولين في الدولة الانكليزية بما كتبه عن العرب بقوله: «أُقنع السادة العرب بأن يفهموا أنهم أضعف من أن يتولّوا بأنفسهم المسؤولية في منطقة تتشابك فيها المصالح مثل فلسطين». (د. فرومكين ص352 ). غير أن هذا الدعم الحكومي الإنكليزي العالي للدولة الصهيونية كان يخطّط لما يجب أن تقوم به هذه الدولة في الشرق الأوسط من التحكم بأمن وإدارة سياسات أسواق الحكومات المشرقية التي اعترفت باستقلالاتها قبل الخمسينيات. لكن هذا المستوى من التحكم الإنغلوإسرائيلي اقتصر على الحكومات العربية التابعة في الشرق الأوسط ولا ضرورة لاعتماده داخل إنكلترا حيث «تقوم المعارضة على سبيل المثال من داخل المجلس البريطاني برئاسة إدوين مونتاغيو وزير الدولة لشؤون الهند وهو من كبار الشخصيات اليهودية التي رأت في الصهيونية خطراً على المكانة التي بلغها بجهد كبير هو وأسرته في المجتمع البريطاني وقد استند في دفاعه عن موقفه الى أن اليهودية ديانة وليست قومية والقول بغير ذلك يعني القول بأنه ليس بريطانياً مئة بالمئة... وكان اليهود المولودون في أميركا أيضاً يرغبون في التخلص من أيّ وصمة أجنبية ويخافون أن ارتباطهم بالصهيونية يظهرهم وكأنهم أقل ولاءً قلبياً للولايات المتحدة (د. فرومكين ص358 و364).


وفي الختام
– هل يمكن التساؤل عن إمكانيات توقع أيّ مواجهة حربية للدول العربية المتدهورة والمشرقية منها خاصة مع إسرائيل المتوسّعة القدرات العسكرية والسياسية والتحالفات الدولية مع حلف الناتو الذي تقوده أميركا خاصة مطمئنة الى التحاق الدول العربية بها؟

 

 

– وهل بات من المستحيل التفكير بمنطق يحرّر اليهود شركاء العرب التاريخيين في فلسطين واليهود الذين أغري بمجيئهم أولاً من بلدان أوروبا الشرقية والغربية ومن الدول العربية وبمن أُلحق بهم من بلدان آسيوية وأفريقية وقد جيء بهم ليعملوا في المستويات الأدنى من خدمة الجيش وحماية الحدود بعد أن يفرض عليهم وحدهم أصعب خدمات الأمن العسكري المستنفر على حدود دولة الاستيطان. هذه الدولة التي سيبقى أمنها مستهدفاً من ملايين الفلسطينيين المتزايدي التشرّد في مخيّمات البؤس يلوّعهم عيش القهر خاصّة عندما يطلون من أعالي الجبال والتلال على الحدود الأردنية والسورية واللبنانية ليروا ما حلّ بمواقع تعزّ عليهم في فلسطين تدعوهم ألا يتركوا سني قرن التمييز العنصري الصهيوني تكتمل ويعودوا الى عيش الشراكة وتبادل الآمال مع عرب فلسطين ويهودها غير المتعنصرين من أي شرق جاؤوا ليعيشوا إيمانهم وأمنهم.

المصدر: "النهار"






إقرأ أيضاً

"خلف الأذن"... طفل روسي يرشد الخبراء إلى مفتاح أسرار أبو الهول
عاصفة ترابية جديدة في العراق وإغلاق المدارس والمطارات والإدارات

https://www.traditionrolex.com/8