أيّ دور لألمانيا وسط التوتّر الغربيّ مع روسيا؟


On 25 January, 2022
Published By Tony Ghantous
أيّ دور لألمانيا وسط التوتّر الغربيّ مع روسيا؟

على وقع التوتّرات الروسيّة-الغربيّة بشأن #أوكرانيا، تعدّ #ألمانيا أحد محاور المراقبة الأساسيّة لدى المتابعين من أجل معرفة الموقف الذي ستتبنّاه تجاه #موسكو. يعود ذلك إلى ثلاثة أسباب على الأقل. الأوّل هو أنّ ألمانيا كانت من أكثر الدول الأوروبّيّة انفتاحاً على #روسيا خلال العقد الماضي. لم يحُل ضمّ القرم ودعم "الانفصاليين" في شرق أوكرانيا وحتى الهجمات السيبيرانية الروسيّة المصدر على البوندستاغ الألمانيّ دون إقامة علاقات عمل اقتصادية مع روسيا، وفي مقدّمها مشروع "#نورد ستريم 2" الذي ينقل الغاز الروسيّ إلى ألمانيا متفادياً المرور بأوكرانيا.

السبب الثاني الذي يجعل ألمانيا محوراً لاهتمام المراقبين هو ترقّب سياسة الائتلاف الحاكم في #برلين بعد مغادرة المستشارة الألمانية أنجيلا #ميركل الساحة السياسيّة. أمّا الثالث فيكمن في أنّ الموقف الألمانيّ لن ينتج تداعيات هامشيّة على التطوّرات المستقبليّة.

كان متوقّعاً أن تحتلّ قضايا حقوق الإنسان مرتبة أعلى في الشؤون الخارجيّة مع دخول حزب "الخضر" الائتلاف حيث تعدّ رئيسته المشاركة أنالينا بيربوك من أبرز الوجوه في الحكومة الحاليّة مع استلامها حقيبة الخارجيّة. لكنّ انضمام "الخضر" إلى الحكومة الحاليّة لم يعنِ أنّ أجندته الخارجيّة ستكون المهيمنة. كما أنّ الحزب نفسه يجد جذوره في تيّار السلام، وإن مال في السنوات الأخيرة إلى التشدد في بعض القضايا الخارجيّة.

الأهمّ في هذا السياق، هو أنّ المستشار الألمانيّ أولاف شولتز هو صاحب اليد الطولى في السياسات الخارجيّة. وكان حزبه "الديموقراطي الاجتماعيّ" قد أصرّ في مفاوضات تشكيل آخر حكومة في ولاية ميركل، على استكمال مشروع "نورد ستريم 2". وحين سئلت وزيرة دفاعه كريستينا لامبرخت عن مصير المشروع في حال اجتاحت روسيا أوكرانيا، قالت إنّها تفضّل عدم إقحام خطّ الأنابيب في هذا النزاع. وكان لأمين عام الحزب كيفين كوهنرت موقف مماثل.

سبب أهمّيّة الموقف الألمانيّ

السياسة الألمانيّة تجاه روسيا قد تكون مفصليّة بالنسبة إلى عمليّة صناعة القرار في #واشنطن. خضع الرئيس الأميركيّ جو #بايدن لضغط كبير من الكونغرس بسبب رفعه العقوبات عن خط أنابيب الغاز. صمد بايدن بوجه الضغوط ومضى في الإعفاء الممنوح من أجل إعادة تحسين العلاقات مع ألمانيا بعد "تضرّرها" في ولاية سلفه دونالد #ترامب.

اليوم، يتساءل مراقبون أميركيّون وغربيّون عن جدوى المخاطرة الأميركيّة بالغرق في نزاع مع روسيا بشأن أراضٍ أوروبية، طالما أنّ قسماً من الأوروبيين، وتحديداً الألمان، غير مستعدّ لبذل التضحيات في سبيل حماية أمنه الخاص. علاوة على ذلك، تعدّ ألمانيا من أكثر الدول تأخّراً في الوصول إلى عتبة الإنفاق العسكريّ (2%) من حجم الناتج القوميّ والتي أقرّها حلف شمال الأطلسيّ سنة 2014. وقد لا تحقّق ألمانيا هذا الرقم قبل مطلع العقد المقبل. يمكن رؤية مثل عن الاعتراض الأميركيّ على الأداء الألمانيّ في صحيفة "وول ستريت جورنال".

فقد رأى الكاتب المتخصّص في شؤون الأمن القوميّ طوم روغان أنّ ألمانيا ليست حليفاً حقيقياً للولايات المتحدة، مع تفضيلها الغاز الروسيّ الرخيص وبيع السيارات إلى الصين على وحدة الحلفاء الديموقراطيين.

وأضاف روغان أنّ ألمانيا ترفض إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا وتمنع إستونيا من فعل ذلك. حتى بريطانيا التي كانت ترسل أسلحة مضادة للدبابات إلى كييف تفادت المرور في الأجواء الألمانيّة تفادياً لإحراج حكومة شولتز.

 

انهارت حجّتها؟

عن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، قالت لامبرخت إنّ هذا الأمر لن يساعد في سحب فتيل التوتّر. استدعى ذلك ردّاً من وزير الخارجية الأوكرانيّ دميترو كوليبا عبر تغريدة جاء فيها أنّ "على الشركاء الألمان وقف هكذا كلمات وأفعال (تتسبّب بـ) تقويض الوحدة وبتشجيع فلاديمير #بوتين على (شنّ) هجوم جديد ضدّ أوكرانيا". تدخّل وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني #بلينكن مدافعاً عن برلين، قائلاً الأحد إنّه لا تساوره "أي شكوك" تجاه تصميم ألمانيا على الوقوف بوجه روسيا. لكنّ المؤشّرات الصادرة من برلين لا توحي بحجم كبير من التصميم.

في حديث إلى صحيفة "سودتشي زيتونغ" الألمانيّة، قال شولتز الأحد إنّ "الحذر يقتضي اتّخاذ التدابير التي سيكون لها أعظم أثر على من ينتهكون المبادئ المتّفق عليها بشكل مشترك". ومضى قائلاً: "في الوقت نفسه، علينا أن نأخذ بالاعتبار تداعيات ذلك علينا". تخشى ألمانيا من أن تردّ روسيا على عقوباتها فتقطع إمدادات الغاز نحو أوروبا في ذروة الشتاء مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع هائل في أسعار الطاقة. لكن من الحجج التي ساقها الألمان دفاعاً عن مشروع "نورد ستريم 2" أنّ روسيا ستخاطر بحجب الأموال عن خزانتها في حال أقدمت على هذه الخطوة. يبدو أنّ تلك الحجّة قريبة من السقوط اليوم.

 

"دير شبيغل" تنتقد

تساءلت مجموعة من المراسلين في مجلّة "دير شبيغل" عن الظرف الواجب توفّره كي يقبل شولتز دعوة من الرئيس الأميركيّ لعقد لقاء في البيت الأبيض، بعدما رفض هذه الدعوة مؤخراً متذرّعاً بجدول أعمال مزدحم. وهو تبرير لم يقنع المراسلين على أيّ حال. ونقلت المجلّة عن مسؤول ديبلوماسيّ كبير في #الناتو توقّعه أن تُغلَق نافذة الفرصة لردع بوتين في وقت قريب. فبمجرّد أن يعقد الرئيس الروسيّ العزم على مهاجمة أوكرانيا، سيكون من الصعب التراجع عنها من دون إضعاف موقفه الداخليّ. لهذا السبب، يحتاج الغرب إلى أقصى سياسة وحدويّة في الوقت الحاليّ بحسب الديبلوماسيّ.

ذكرت صحيفة "هاندلبلاست" الألمانيّة أنّه خلال المشاورات بشأن نوع العقوبات التي يجب فرضها على روسيا في حال غزت أوكرانيا، أصرّت المانيا على وجوب إدخال إعفاءات على لائحة العقوبات المفروضة على بنوك روسيّة كي تظلّ قادرة على دفع الأموال لقاء استجرار الغاز. هذا ونقلت الصحيفة أيضاً عن مصادر حكوميّة قولها إنّ عزل روسيا عن نظام "سويفت" الماليّ الدوليّ بات خارج الدرس.

بعد تنازلات بارزة قدّمها الغرب مؤخّراً إلى روسيا، من بينها قبوله بمناقشة "الضمانات الأمنيّة" (ومعناها إعادة رسم الأمن الأوروبّيّ) وحسمه موضوع عدم إرسال قوّات إلى أوكرانيا والتفادي المفترض لطرح موضوع "سويفت"... يبدو أنّ ألمانيا قد تقدّم المساهمة الأكبر في تطمين موسكو: إبقاء الناتو منقسماً على نفسه. فهل تعدّل برلين هذا الانطباع في اللحظات الأخيرة؟ أم أنّ المصالح المحلّيّة تطغى على تلك القارّيّة والأطلسيّة؟

المصدر: "النهار"

جورج عيسى

المصدر: "النهار"


إقرأ أيضاً

غزو أوكرانيا لن يكون نزهة للروس.. كشف "مفاجأة كييف"
الملكة إليزابيث تكرّم كيت ميدلتون وتدخلها التاريخ