https://www.traditionrolex.com/8


المطران روحانا: لا بد من حمل مصباح الحوار لتعزيز العيش المشترك


On 25 October, 2021
Published By Tony Ghantous
المطران روحانا: لا بد من حمل مصباح الحوار لتعزيز العيش المشترك

دعا النائب البطريركيّ العامّ على منطقة صربا للموارنة #المطران بولس روحانا إلى "رفع شعار "السير معًا" في وقت تعيشُ منطقتنا سلسلةَ حروبٍ مُتنقِّلَة ومُكلِفة"، وإلى "حملِ مصباحِ الحوار لتعزيز #العيش المشترك، على الرّغم من تشكيك المشكّكين وانقياد أصحاب القرار في بلداننا إلى امتهانِ السياسة وعيشها كأنّها مسألةٌ تتحكّمُ بها أوّلًا وآخرًا المصالحُ الخاصّة والفئويّة، مُتناسينَ أنَّ ما ينتظرُهُ الناسُ من أصحاب السياسة هو أن يكونوا قبلَ كلِّ شيءٍ "رجالَ دولة".

 

وقد جاء كلام المطران روحانا في الاحتفال الختامي لبرنامج: "حوارنا لتعزيز العيش المشترك" الذي نظمه  "منتدى التنمية والثقافة والحوار" و"مؤسّسة دان ميشن (Danmission)" و"جمعيّة الأمل العراقيّة" في فندق روتانا – جفينور كليمنصو - بيروت. 

 

وقال في كلمته: "يأتي ختام برنامج "حوارنا لتعزيز العيش المشترك" بعد أيّامٍ قليلة على افتتاح قداسة البابا فرنسيس، في التاسع من تشرين الأوّل الجاري والعاشر منه في روما، المرحلةَ الأولى من سينودس الأساقفة المُزمَع عقدُه في روما بعد سنتَين، في تشرين الأول 2023، حول موضوع: "من أجل كنيسة سينودُسيّة (أي مجمعيّة): شركة، مشاركة ورسالة". في هذا الموضوع، يعتبر قداستُهُ أنّ الكنيسة (أي الجماعة) لن تحقّق رسالة الإنجيل بأمانة ما لم تكن في كيانها "سينودُسيّة"، بحيث يرتضي المؤمنون فيها مبدأ "السير معًا" (sun-hodos) نهجَ حياةٍ إنسانيٍّ وروحيٍّ وتدبيريّ. وتقوم روحانيّة "السير معًا" على الإصغاء لكلمة الله ولبعضنا البعض، والحوار بحرّيّةٍ، بدون أحكام مسبقة، بانفتاح فكرٍ وقلب، واعتمادِ التمييز الجماعيّ عند اتّخاذ القرارات".

 

واضاف: "الجديرُ بالذِّكر أنَّ قداسةَ البابا يدعو الكاثوليك في العالَم إلى عيش التزام "السير معًا"، لا ضمن الدائرة الكاثوليكيّة فحسب، إنما أيضًا مع المسيحيّين على تعدّد تسمياتهم ومع الإخوة في العائلة البشريّة على تعدُّد دياناتهم. مع هؤلاء كلِّهم يترتّبُ إيجادُ حلولٍ مشتركة للقضايا المشتركة في مجالات المحافظة على البيئةِ والأرضِ، "بيتِنا المشترك"، والدفاع عن حقوقِ الإنسانِ المستندة على كرامة الشخص البشريّ التي هي أساسُ الأخوّة الشاملة (Fraternité universelle)". 

 

وتابع: "تتعزّز روحانيّة "السير معًا" على دروب هذه الدنيا المُتعثِّرة، لقاءً وإصغاءً وحوارًا وتمييزًا والتزامًا مشتركًا، عندما نُدرِك أنّ الإنسان في نظر الله هو كائن شراكة مع ربّه ومع كلّ إنسان، إذ خَلَقَهُ الله، وفق التوراة، على "صورته ومثاله" (تكوين 1/ 27)، فيما هو في نظر القرآن "خليفةُ الله" (Vicaire) في الأرض (سورة البقرة 29-30). وفي نشيدٍ سريانيٍّ قديمٍ عن خلق الإنسان نقرأُ ما يلي: "أَخَذَ ربُّنا بِيَدِهِ ترابًا من أطرافِ الأرض الأربعة، فَجَبَلَ آدم صورتَهُ ومثالَهُ...". وفي هذا القول إشارةٌ واضحة إلى البُعد الكونيّ لدعوة الإنسان ورسالته قبلَ أن يَتَقَوقَعَ هذا الأخير في حدودِ العرقِ واللغةِ والدِّينِ والثقافةِ والمستوى الاجتماعيّ.

 

ولأنَّ دعوةَ الإنسانِ ورسالتَهُ هي على هذا القدرِ من الأهميَّةِ والكرامةِ في نَظَرِ الله، كيفَ لا يجعلُ المؤمنون بربّهم من عبورهم في هذه الدنيا ورشةَ عمل لا تهدأ، رسالةَ تحرّر داخليّ ممّا خلّفته وتُخلِّفه كلّ يوم قساوة القلب البشريّ في مجتمعاتنا، التي "تَئِنُّ وتتمخَّض"، وهي تتوق إلى مساحات إنسانيّة أقلّ جهلًا وبغضًا وكراهيةً وجشعًا وتمييزًا إقصائيًّا على أساس العرق والدين والطائفة؟ 

 

في الوقت الذي تعيشُ فيه منطقتنا سلسلةَ حروبٍ مُتنقِّلَة ومُكلِفة، بحيثُ يُصرَفُ على السّلاح والتسلّح أكثرَ بكثيرٍ ممّا يُخصَّصُ للثقافة والرعاية الصحيّة وتعزيز ثقافة "الخير العام"، لا بدّ من رفع شعار "السير معًا"، في وقته وفي غير وقته، وحملِ مصباحِ الحوار لتعزيز العيش المشترك، على الرّغم من تشكيك المشكّكين وانقياد أصحاب القرار في بلداننا إلى امتهانِ السياسة وعيشها كأنّها مسألةٌ تتحكّمُ بها أوّلًا وآخرًا المصالحُ الخاصّة والفئويّة، مُتناسينَ أنَّ ما ينتظرُهُ الناسُ من أصحاب السياسة هو أن يكونوا قبلَ كلِّ شيءٍ "رجالَ دولةٍ".

 

وقال في ختام كلمته: "نظرًا لتشعّب المشاكل من كلّ نوع في منطقتنا، وتجذّر البعض منها في الوجدان الشخصيّ والجماعيّ إلى حدِّ صعوبة إحداث تغييرٍ سريع في الذهنيات والهيكليّات المجتمعيّة، نرجو لروّاد الحوار في مجال العيش المشترك ألّا يُصابوا سريعًا بالإحباط، لأنَّ ما أنجزوه في السنوات الأربع المنصرمة ليس سوى خطوة بسيطة في رحلة الألف ميل، وفق القول الصينيّ المعروف. ولأنّنا أبناءُ الرجاء، والذي يرجو يلتزمُ مهما كانت الصّعاب، لا بُدَّ من متابعة الرحلة بالسير معًا، لتحقيق تقدّمٍ على صعيد الحوار الاجتماعيّ والثقافيّ والسياسيّ والاقتصاديّ، تعزيزًا للعيش المشترك، تحت نظر الله وفي سبيل ترقّي الإنسان.

 

وخشيةَ أن تبدو رحلةُ "السّير معًا" هذه طويلةً ومُضنِيَةً لغير الصابرين إلى حدّ إحباط عزائمهم، يُمكنهم الإعتمادُ في حواراتهم على مبدأ فلسفي وقانوني رائج في القرون الوسطى يُعرف بعبارة "شريعة التدرّج" (Loi de gradualité). في ضوء هذا المبدأ، يعمل أصحاب الحوار والرأي على ملاقاة الناس، حيث هم في مفاهيمهم الاجتماعيّة والدينيّة والطائفيّة والعشائريّة والقبليّة، ومرافقتهم خطوةً خطوة، بصبرٍ وطول بال، إلى أن يلتقِيَ هؤلاء الناس تِباعًا في مساحاتٍ توافقيّةٍ من حيث المفاهيم المتعلّقة بكرامة الشخص البشريّ، والمواطنة، والحرّيّة الدينيّة، والديموقراطيّة، والمجتمع المدنيّ، والمساواة أمام القانون، وحقوق المرأة إلخ... 

 

في رحلة "السير معًا" بالحوار والعمل، رحلةِ الألف ميل إلى أن يأتِيَ اليوم الذي نُسَلِّمُ فيه ثمار الوديعة/ الوكالة إلى ربّنا، لا شيءَ أفعلُ من الشهادة بالقول والفعل للمحبّة والرحمة، وهما من صفات الله العظمى. بقدرِ ما يُصبحُ إيمانُنا بالله محبّةً له، لا مجرّد اعتراف خارجيّ بوجوده، يتجلّى في الوقت عينه محبّةً للقريب، أيِّ قريبٍ، حبَّنا لنفسِنا. فالذي يُعلن إيمانَهُ بِمُطلَقِيّة الله الخالق، كيف يُمكِنُهُ أن ينحدرَ، عندما يتعلَّقُ الأمرُ بالإنسان، إلى مفهومٍ نسبيٍّ لمحبّة القريب، تبعًا لدينه وعرقه وانتمائه الاجتماعيّ؟

 

فمُطلَقِيَّةُ محبّة الله تُقابلُها مُطلَقِيّةُ محبّة القريب، عَمَلًا بِقَولِ يوحنّا في رسالته الأولى: "إذا قالَ أحدٌ: "إنّي أُحبُّ الله"، وهو يُبغِضُ أخاهُ، كان كاذبًا، لأنَّ الذي لا يُحبُّ أخاهُ وهو يراه لا يستطيعُ أن يُحبَّ الله وهو لا يراه" (1 يوحنا 4/ 20). هذا هو السقف الذي يَضَعُهُ المؤمنون للحوار في سبيل تعزيز العيش المشترك. أمّا المحبّةُ، فهي جسرُ عبورٍ إلى الآخر، تُثمِرُ أعمالَ رحمةٍ لا تستثني أحدًا، لأنَّ الذي يُحبّ وفق قلب الله، يأبى أن يختار هو بِنَفسِه هويّةَ قريبه، خشيةَ أن يفعل ذلك وفقًا لمحدوديّته ومصالحه الضيّقة، بل يسعى إلى أن يكونَ قريبَ كلّ ضحيّة ظلمِ الآخرين، إلى أيّ جهةٍ انتَمَت، فينتفضَ بالقول والعمل والتشريع إلى نصرة حقوقهم".

المصدر: النهار

المصدر: "النهار"






إقرأ أيضاً

"لقد تمَّ" (يوحنّا 30:19)
الأمم المتحدة تحتفل بمرور ٧٦ سنة على تأسيسها. مقابلة مع مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى المنظمة الأممية

https://www.traditionrolex.com/8