https://www.traditionrolex.com/8


"لقد تمَّ" (يوحنّا 30:19)


On 25 October, 2021
Published By Tony Ghantous
"لقد تمَّ" (يوحنّا 30:19)

نقرأ في إنجيل يوحنّا: "فلمّا أخذ #يسوع الخلَّ قال: ’لقد تمَّ‘. وأمال رأسَه وأسلم الروح" (يوحنّا 30:19). هذا القول يكمّل ما قاله يسوع في صلاته الكهنوتيّة في العشاء الفصحيّ: "يا أبتِ، لقد أتت الساعة، فمجِّد ابنَكَ لكي يُمجِّدكَ ابنكَ ويُعطي، بما أوليتَه من سلطانٍ على كلّ بشر، الحياةَ الأبديّة لجميع الذين أعطيتَهم له. والحياة الأبديّة هي أن يعرفوكَ أنت، الإله الحقّ وحدكَ، ويعرفوا يسوع المسيح رسولكَ". ثمّ يُضيف: "أنا قد مجّدتُكَ على الأرض وأتممتُ العملَ الذي أعطيتَني لأعملَه. فالآن، أيّها الآب، مجِّدني عندكَ بالمجد الذي كان لي عندكَ من قبل أن يكونَ العالّم" (يوحنّا 1:17-5). ما هو العمل الذي أعطى الآبُ يسوعَ ليعملَه؟ هو أن يمنح الناس الحياة الأبديّة التي تقوم على معرفة الله ومعرفة يسوع المسيح. لقد عرّفنا يسوع أوّلاً على الله الذي هو الإله الحقّ وحده، وقد ظهر في تعليم يسوع الأب المحبّ والرحيم. وعرّفنا على نفسه على أنّه ابن الله وابن الإنسان: فيه تجلّت صورة الله، وفيه ظهرت صورة الإنسان كما أراده الله عندما خلقه.

فمنذ الأزل أراد الله أن يصنعَ الإنسان على صورة ابنه الأزليّ. فخلق آدم على هذه الصورة، لكنّ هذه الصورة تشوَّهت بخطيئة آدم. فأراد الله برحمته أن يُعيد للإنسان جماله القديم، ليعرف الإنسان الساقط جمال الصورة التي صنعه الله عليها عندما خلقه. فأرسل الله ابنه على الأرض ليُحقّق في شخصه جمال تلك الصورة الإلهيّة. هذا هو العمل الذي أعطى الآب يسوع ليعمله: أن يعرّفِنا على الله ويخلِّص الإنسان بمنحه المشاركة في حياة الله. وفي هذا التدبير الإلهيّ للخلاص، نلاحظ أنّ الأمور الثلاثة التي أسهمتْ في السقطة، ظهرت مقابلها في القصد الإلهيّ ثلاثة أمور أسهمتْ في الفداء. فمقابل آدم الإنسان القديم الذي رفض الطاعة لأمر الله، ظهر يسوع المسيح آدم الجديد الذي أطاع حتى الموت، موت الصليب. ومقابل حوّاء المتمرّدة ظهرتْ مريم العذراء، حواء الجديدة المطيعة والمتواضعة. ومقابل شجرة الحياة التي لم يستطع آدم الوصول إليها، ظهرتْ شجرة الصليب التي منحت الحياة الأبديّة لأبناء آدم. بعد أن أتمّ يسوع هذا التدبير الخلاصيّ، قال: "لقد تمّ". 

 

بهذا القول أعلن يسوع أنّه أكمل العملَ الذي أعطاه إيّاه الله أن يعمله وأتمّه بأمانة في كلّ مراحل حياته منذ ولادته حتى موته على الصليب. إنّ الله، بعد أن أكمل خلق السماء والأرض، استراح في اليوم السابع. والآن يسوع، بعد أن أتمّ وظائفَه الثلاثة فكرز كمعلّم، وأنشأ كملكٍ ملكوتَ الله، وقدَّس العالَم ككاهنٍ ببذل ذاته فداءً عن الكثيرين، إذ إنّه هو "حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم"، كما قال عنه يوحنّا المعمدان (يوحنّا 29:1)، ها هو الآن يستريح من عمله، ويعود إلى المجد الذي كان له عند الآب من قبل خلق العالَم. والإشارة إلى هذا المجد الذي كان ليسوع قبل إنشاء العالَم هو تأكيدٌ بأنّ عمل الفداء والخلاص الذي أجراه يسوع لم يتمّ على يد مجرَّد إنسان، بل على يد ابن الله نفسه الذي كان منذ الأزل عند الله. فالإنسان لا يستطيع أن يخلّص الإنسان. الله وحده الذي خلق الإنسان يستطيع أن يخلِّصه ويُعيد إليه جمال صورته الأولى ويمنحه الحياة الأبديّة.

 

هذا الخلاص قد أُنجِز على يد يسوع ابن الله، ولا ننتظر مخلِّصًا آخر. "إذ ليس تحت السماء اسمٌ آخر أُعطي للناس به ينبغي أن نخلص"، كما قال بطرس الرسول لليهود، بعد أن حلّ عليه الروح القدس وفهم معنى الصليب (أعمال الرسل 12:4). وفي المعنى عينه يقول في رسالته الأولى الجامعة: "عالمين أنّكم لم تُحرَّروا من تصرُّفكم الباطل الموروث من آبائكم، بأشياءَ تَبلى، بالفضّة والذّهب، بل بدمٍ كريم، دم المسيح، ذاك الحملِ الذي لا عيبَ فيه ولا دَنَس، المُعيَّنِ من قَبْل إنشاء العالَم، والمُعلَنِ في آخر الأزمان" (1 بطرس 18:1-19). ويعني "بآخر الأزمان" الزمن المحدَّد لتجسُّد ابن الله، كما ورد أيضًا في قول بولس الرسول: "لمّا بلغ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتديَ الذين تحت الناموس، وننال التبنّي" (غلاطية 4:4-5).

 

بموت يسوع على الصليب تمَّ افتداء البشر واكتمل زمن العهد القديم، زمن الناموس، وبدأ زمن العهد الجديد بدم المسيح، زمن التبنّي الإلهيّ، الذي يقول عنه إنجيل يوحنّا: "أما الذين قبلوه، أولئك الذين يؤمنون باسمه، فقد آتاهم أن يصيروا أبناء الله". ثم يُضيف: "ذلك بأنّ الناموس قد أعطي بموسى، وأمّا النعمة والحقّ فقد جاءا على يد يسوع المسيح" (يوحنّا 17:1). الفداء والنعمة والحقّ أمورٌ مرادفة للتبنّي الإلهيّ الذي به أتمّ يسوع العملَ الذي أعطاه الآبُ أن يعملَه.

المصدر: "النهار"

المطران كيرلس بسترس

المصدر: "النهار"






إقرأ أيضاً

عبد الساتر: ماذا تربحون إن فزتم في الانتخابات وغالبية شعبكم هجر بلده؟
المطران روحانا: لا بد من حمل مصباح الحوار لتعزيز العيش المشترك

https://www.traditionrolex.com/8