التونسيّون والتّدخلات الخارجيّة


On 21 October, 2021
Published By Tony Ghantous
التونسيّون والتّدخلات الخارجيّة

يرى بعض مساندي الرئيس التونسي قيس سعيد، في إطار النصح لتحسين الأداء، أن عليه أن لا يستهين بـ"حركة النهضة" الإخوانية لجهة ما تقوم به في الخارج، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، وبدعم من جهات خارجية تتبنى خطها الأيديولوجي، من تأليب للرأي العام في بلد العم سام عليه. فلدى هذا التنظيم الإخواني، الذي حكم تونس طيلة عقد من الزمان، تنظيمات إخوانية ولوبيات مساندة له في الغرب، وخصوصاً في العالم الأنغلوسكسوني داعم هذه التنظيمات منذ عقود من الزمان.

 

إن أهم المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة هي ذات توجهات إخوانية، وهي مقربة من البيت الأبيض ومن صناع القرار في بلد العام سام، وتدفع هذه الأطراف منذ الخامس والعشرين من تموز (يوليو) باتجاه أن تتبنى الإدارة الأميركية والكونغرس رؤية "حركة النهضة"، من خلال اعتبار ما حصل في تونس في ذلك التاريخ من جانب الرئيس سعيد انقلاباً على الشرعية والديموقراطية. ويبدو أن "حركة النهضة" قد حققت بعض النجاحات في هذا الإطار، برزت خصوصاً في تصريحات وسلوك بعض نواب الكونغرس وموظفي وزارة الخارجية والقيادات العسكرية الأميركية، الذين انتقد بعضهم صراحةً الإجراءات الاستثنائية للرئيس سعيد، واستهجن بعضهم تلميحاً هذه الإجراءات، فيما تجنب آخرون لقاء ساكن قرطاج في جولة مغاربية التقوا خلالها القيادتين الجزائرية والليبية، واقتصر لقاؤهم في تونس على رئيس أركان الجيوش، في خطوة رآها البعض تصعيدية مع الرئيس التونسي نتيجة للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها.

 

ويدعو بعض مساندي حراك 25 تموز الرئيس سعيد إلى التواصل أكثر مع الجانب الأميركي، سواء تعلق الأمر بصناع القرار من الساسة وغيرهم، أم بالإعلام الأميركي، وذلك لإبراز وجهة نظره وحقيقة ما يحصل على الساحة التونسية. وبالتالي يرى هؤلاء أن على سعيد أن يسحب البساط من تحت أرجل خصومه الذين استنجدوا بالخارج، لا لضرب سعيد ونظامه فحسب، بل لاستهداف المصالح التونسية، في مشهد شبيه بما كان يحصل مع هذه المعارضة ذاتها، أي "حركة النهضة" والمنصف المرزوقي وآخرون زمن زين العابدين بن علي، حيث وصل ببعضهم الأمر وقتها إلى حد دعوة المستثمرين والسياح الأجانب إلى عدم الذهاب إلى تونس، لأن ذلك برأيهم يخدم نظام بن علي الديكتاتوري.

 

فالمنصف المرزوقي الذي نصبته "حركة النهضة" سابقاً رئيساً موقتاً للجمهورية من دون انتخابات رئاسية، لا يخجل اليوم من التباهي بأنه كان وراء حرمان تونس من تنظيم القمة الفرنكوفونية في هذه الفترة في جزيرة الأحلام جربة. والعجيب أن طيفاً من التونسيين، أغلبهم من أنصار "النهضة" والمرزوقي، طبع مع العمالة ومصطلحات الارتهان إلى الخارج، لم ير عيباً في تصريحات المرزوقي واعتبر أن عدم تنظيم الفركوفونيين قمتهم في تونس هو عقاب مستحق لساكن قرطاج بسبب انقلابه على الديموقراطية. 

وبالتالي فإن سعيد مدعو اليوم، بحسب البعض، إلى مراجعة سياسته الاتصالية مع الولايات المتحدة لسببين، أولهما أن أميركا هي دولة كبرى وقوية وتتدخل في الشؤون الداخلية للدول، حتى أن البعض يطلق عليها تسمية "شرطي العالم"، وتحييدها عن الشأن الداخلي التونسي يقتضي العمل على صناعة الحلفاء واللوبيات الداعمة داخلها، باعتبارها دولة غير تقليدية تحكمها جماعات الضغط والمصالح. وثانيهما أن الولايات المتحدة هي داعم رئيسي لتونس اقتصادياً، سواء من خلال المساعدات المباشرة أم من خلال نفوذها في الصناديق المالية والبنوك العالمية، وهو نفوذ كثيراً ما استفادت منه تونس لضخ السيولات المالية في اقتصادها الوطني، وبالتالي يجب عدم خسارة حليف استراتيجي قدم للخضراء مع الاتحاد الأوروبي ما لم يقدمه ذوو القربى.

 

ويرى أصحاب هذا الرأي أيضاً، أن التمسك بالسيادة الوطنية أمر محمود، ووجب دعم الرئيس سعيد في ما قام به من استدعاء للسفير الأميركي والتعبير له عن رفضه إدراج الشأن التونسي في جدول أعمال الكونغرس، فما يهم تونس لا يناقش برأيهم إلا في تونس وبين التونسيين. إلا أن ذلك يجب ألا يفسد للود قضية في ما يتعلق بالعلاقات الثنائية التي يجب ألا تتأثر بهذه الخلافات العابرة من خلال فتح قنوات للتواصل والحوار وإبلاغ وجهات النظر.

 

ما هو أكيد، أن ما جعل الولايات المتحدة تتدخل في الشأن التونسي وتدرج الأزمة التونسية في جدول أعمال برلمانها، هو استنجاد "حركة النهضة" ومعارضي قيس سعيد مباشرة بها وبغيرها أيضاً، وهي التي باتت اليوم ترى ساكن قرطاج بعيون معارضيه. فقد فتحت الحركة الإخوانية التونسية باب التدخل الخارجي على مصراعيه، مثلما فتحت سابقاً باب التمويل الأجنبي للأحزاب السياسية الذي أصاب الديموقراطية التونسية في مقتل، وجعل انتخاباتها مزورة وفق المعايير الدولية. 

 

لقد دفع إقبال "حركة النهضة" على التمويل الأجنبي ببعضهم للنسج على منوالها، باعتبار أن ذلك هو السبيل وحيد للفوز بالانتخابات، على غرار حركة "نداء تونس" وبعض الأحزاب الأخرى التي لم تجد من حل سوى نيل التمويل الأجنبي مثل "حركة النهضة"، وإلا بقيت على هامش اللعبة السياسية. ولقد شرع هذا التمويل الأجنبي بدوره التدخلات الخارجية في الشأن التونسي طيلة العشرية الماضية، باعتبار أن من يمنح سيولاته المالية إلى هذه الأحزاب سيطالبها بالولاء وخدمة مصالحه حين تعتلي هذه الأحزاب سدة الحكم.

 

كما أن من أسباب هذه التدخلات الخارجية اللافتة هو التداين الكبير الذي دأبت عليه منظومة ما بعد 14 كانون الثاني (يناير) 2011، التي لم تترك كبيراً أو صغيراً إلا وطلبت دعمه المالي، سواء في شكل هبات أم قروض. ومن الطبيعي أن من يقرض يبحث عن تأمين استرجاع قروضه ونفقاته، فيتسلط كوصي على السياسة الاقتصادية للدولة، ومن ذلك صندوق النقد الدولي الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة بنفوذ واسع، والذي يدفع باتجاه أن تتخلى الدولة التونسية عن دورها الاجتماعي، وتسير في ركاب رأسمالية متوحشة يرفع فيها الدعم عن المواد الأساسية، وتتم فيها خصخصة المؤسسات العمومية وتسريح أعداد هامة من العمال والموظفين للضغط على كتلة الأجور.

 

وبالتالي، لا مفر للتونسيين من فتح قنوات الحوار في الوقت الراهن مع الدول الكبرى للتخفيف من حدّة الضغوط، مع العمل مستقبلاً على إعادة الكثير من مقومات السيادة بالضرب بقوة على أيدي عملاء الخارج من جهة، والتخفيف من التداين على مدى سنوات من جهة أخرى. وما لم يضاعف التونسيون من الجهد ويتخلوا عن كثرة المطالب وتترسخ في صفوفهم ثقافة العمل والكد من جديد، فلن يتحقق ذلك، وسيزداد الارتهان إلى الخارج الذي ستزداد معه التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية.

المصدر: النهار العربي

روعة قاسم

المصدر: "النهار"


إقرأ أيضاً

مؤتمر دعم لاستقرار ليبيا
الميدان السوري يغلي: المتصارعون يضغطون لتحسين شروطهم في "التسوية"