https://www.traditionrolex.com/8


المواطن التّونسي البسيط في الأزمة


On 20 October, 2021
Published By Tony Ghantous
المواطن التّونسي البسيط في الأزمة

بشكل مواز للصراع السياسي الذي لن يضع أوزاره عن قريب، هناك صراع آخر يرهق التونسيين هو صراع بين الأمل والإحباط. ولكن هذه المشاعر يعيشها المواطن البسيط بشكل مختلف عن النخبة السياسية.

 

كل يوم يحمل معه للجميع بعض بشائر الانفراج، كما يحمل أيضاً أسباباً أكثر للتوجّس مما قد تحمله الأيام المقبلة من مصاعب إضافية. 

 

من مسوغات التفاؤل بكل تأكيد تحسن الوضع الصحي، بعد أن أصبح العدد اليومي للوفيات نتيجة الجائحة لا يتجاوز عدد الأصابع، بل هو يبلغ الصفر في بعض الأحيان.  

 

الغريب في مجتمع يبدو أحياناً وكأنه يجد متعة في الإمعان في الخوف والتخويف، أن  لا ينتبه الناس كثيراً لانقشاع غيمة كورونا من حياتهم اليومية، التي عادت تقريباً إلى نسقها العادي، بعدما كان شح التلقيحات يضع الناس بين خيار الغلق الكامل أو التعرض للعدوى، وكانت المنصات الإلكترونية تزخر بالصور وتسجيلات الفيديو التي تقدم سردية الهلاك المرعبة: مرضى يُحتضرون على أعتاب المستشفيات، ونداءات للحصول على مكثفات الأوكسجين المفقودة، مهما كان الثمن، وأطباء يستغيثون بعدما عجزوا عن توفير الأسرّة ووسائل العلاج. 

 

لم تنته الجائحة بعدُ تماماً، ولكنها لم تعد ذلك الغول المخيف الذي يقضّ مضاجع التونسيين. تيسّر ذلك أساساً بفضل حملات التضامن الإقليمية والدولية التي وفرت للبلاد كميات كافية من الأمصال، جعلت السلطات قادرة، الأسبوع الماضي، على التبرع لدول أخرى بما لديها من فائض. 

 

خلال الأسبوع الماضي، أصبح لتونس حكومة متكاملة لأول مرة منذ ثلاثة أشهر تقريباً. 

رحب معظم الناس بالحكومة وتفاءلوا بها خيراً، حتى وإن كان معارضو الرئيس قد تحفظوا عنها كتكريس للأحكام الاستثنائية التي يرفضونها.

 

كان يمكن أن يكون الارتياح أكبر لو أن المشهد لم يحمل معه دواعي جديدة للانشغال، من أبرزها تزايد مؤشرات تدهور الوضع، في مشهد اقتصادي لا يشعر الجميع بتداعياته  بالطريقة نفسها.

 

بالنسبة الى المواطن العادي، وبخاصة صغار الموظفين الحكوميين، قد يتلخص "الخطر المحدق" بأن لا يتلقى راتبه في آخر الشهر أو يتأخر  في الوصول إليه نتيجة عدم توفر الموارد المالية للدولة.

 

وبالنسبة الى الآلاف المؤلفة من أنصار فرق كرة القدم، أصبح الخطر واقعاً ملموساً، بعدما أعلنت مؤسسة التلفزيون الحكومية أنها لن تستطيع نقل مباريات الدوري نتيجة عجزها عن دفع مقابل حقوق البث الذي تطالب به جامعة كرة القدم. لا يكترث الكثير من عامة الناس بالأسباب العميقة للمشكلة، وهم لا يترددون في اتهام من منعهم من مشاهدة فريقهم المفضل بأنه "سارق". ليس لديهم الوقت كي يربطوا بين عجز موازنة التلفزيون وعجز موازنة الدولة ككل.

 

بكل تأكيد، للخبراء فكرة أوضح عن المأزق الاقتصادي للبلاد وحجم تشعباته الأعمق. هؤلاء أحسوا بالقلق، بخاصة بعد تخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيفها السيادي لتونس "من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية"، بسبب الشك المتزايد في قدرة تونس على الإيفاء بديونها، أو إدخال الإصلاحات اللازمة على اقتصادها. والشك هنا دعوة رسمية الى الريبة والتشاؤم، تُضاف إلى حلقة مفرغة يتردد فيها المستثمر المحلي والأجنبي في الاستثمار، ويقبع الاقتصاد في مزيد من الركود.

 

صحيح أنها عاشر مرة تخفض فيها وكالة عالمية التصنيف السيادي لتونس من قبل منذ عام 2011. ولكن هذا التخفيض الجديد يأتي في وقت لم يعد فيه الهامش كبيراً لساسة البلاد والفاعلين الاقتصاديين لإنقاذ الوضع، بعد عقد كامل من الإهمال في التسيير والسياسات الخاطئة التي فاقمت الفقر والبطالة، ويأس شرائح كبيرة من الشباب. 

 

يأتي الإعلان في وقت شحّت فيه مصادر التمويل الداخلي والخارجي، وتزايدت الضغوط الأميركية والأوروبية بغرض التأثير في مسار الأزمة السياسية والدستورية في البلاد، والتي أدت إلى لجوء الرئيس قيس سعيد إلى جملة من الأحكام الاستثنائية، تضمّنت تجميد عمل البرلمان في تموز (يوليو) الماضي. 

 

قد لا يكون للمواطن البسيط معرفة بموديز. وقد لا تكون له دراية أو اهتمام بتعقيدات السياسة الداخلية والخارجية التي سوف تحدد في نهاية الأمر مصير الاقتصاد. لكنه يعرف حدساً أنه هو من يدفع ثمن خلافات الساسة وأخطائهم. ومن المرجح أن يواصل دفعها إذا لم يترفع الساسة عن حساباتهم الضيقة ويضعوا مصلحته هو  في الميزان.

 

كان الترحيب بالأحكام الاستثنائية التي لجأ إليها سعيد ترحيباً واسعاً، بعدما عيل صبر الكثيرين من عامة الناس من الوضع الذي أوصلهم إليه أصحاب القرار خلال كامل العقد الماضي. ولكنهم اليوم ينتظرون النتائج من وعود الإصلاح ومقاومة الفساد وتخفيض الأسعار. لا تهمهم كثيراً السجالات الدستورية والسياسية ونوعية النظام الحاكم ومواقف أعضاء الكونغرس الأميركي.

 

في خضم الوضع المضطرب، تغيب الرؤية الواضحة عن الجميع، وتغيب لدى المواطن الثقة بمعظم السياسيين. وليس مفاجئاً، مثلاً، أن تظهر عمليات سبر الآراء أن الأغلبية الساحقة من التونسيين لا تدري اليوم لمن ستصوّت في أي انتخابات مقبلة. فهي كانت قد اغترّت في السابق بالوعود والشعارات، ولا تريد أن تغترّ مجدداً بالحكومات والزعامات والأحزاب.

 

ولكن معظم الساسة أيضاً يعرفون أن ذلك المواطن البسيط هو من سيذهب إلى صناديق الاقتراع ليعاقبهم على فشلهم، إذا هم واصلوا مسيرة الفشل وتضييع الفرص. وذلك المواطن البسيط من قد ينزل الى الشارع مجدداً إذا أصبح قوته مهدداً أو طالت بطالته وزاد فقره رغم الوعود.

وهو لن يحتاج لوكالة تصنيف أجنبية كي يعرف أن أحواله تحسنت أو هي ساءت. فلديه في حياته اليومية ما يكفي من المؤشرات التي لا يرتقي إليها أي شك. ولن تعوزه سبل التعبير والمطالبة بالتغيير.

المصدر: النهار العربي

أسامة رمضاني  

المصدر: "النهار"






إقرأ أيضاً

محي الدين يجول على الرؤساء: شروط صندوق النقد ليست أقسى مما نراه اليوم.. وميقاتي: الحكومة باشرت بإعداد خطة التعافي
بعد ارتفاع سعر المحروقات... الأزمة الاقتصادية تغير عادات اللبنانيين في التنقل

https://www.traditionrolex.com/8