https://www.traditionrolex.com/8


رحلة الكنيسة الإثيوبية من الانفصال عن كاتدرائية الإسكندرية إلى الانقسام ذاتياً


On 14 October, 2021
Published By Tony Ghantous
رحلة الكنيسة الإثيوبية من الانفصال عن كاتدرائية الإسكندرية إلى الانقسام ذاتياً

مر نحو عام على التمرد الذي شنته "جبهة تحرير تيغراي" في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2020 ضد حكومة آبي أحمد.

ومع التصعيد الأخير الذي بدأه الجيش الإثيوبي ضد الجبهة، تزايدت الانشقاقات داخل الكنيسة الإثيوبية أكثر فأكثر، حيث بات الصوت الأعلى للعصبية القبائلية، وأصبح الرهبان والمؤمنون من أبناء "تيغراي" يحملون السلاح ضد أقرانهم من أبناء "الأمهرة".

 

هذا المشهد المأساوي الذي تضمن نهباً وحصاراً للكنائس والاستيلاء على الأطعمة الموجودة بها، يعيد إلى الأذهان الدور الذي لعبته السياسة في تصدع الكنيسة الإثيوبية، وانفصالها عن الكاتدرائية الأرثوذكسية بالإسكندرية، بعد نحو 1500 عام من الارتباط الروحاني والإداري.

 

وبحسب الإحصاءات الإثيوبية الرسمية فإن المسيحية هي ديانة الأغلبية في إثيوبيا، ويشكل الأرثوذكس قرابة 43 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 115 مليون نسمة، فيما تصل نسبة البروتستانت نحو 19 في المئة، والكاثوليك أقل من 1 في المئة

.

تغير الموازين

يقول الدكتور جميل فخري أستاذ التاريخ بمعهد الدراسات القبطية لـ"النهار العربي": "إن علاقة الكنيسة القبطية بالكنيسة الإثيوبية، تعود إلى القرن الرابع الميلادي، وتحديداً في العام 329، لكن الانقلاب الشيوعي الذي أطاح بالإمبراطور هيلا سيلاسي، غير الموازين كثيراً".

 

ويشير أستاذ التاريخ إلى أن "العلاقة الكنسية المصرية مع إثيوبيا بدأت في عهد البابا أثناسيوس الرسولي، ويعتبر هو أول من رُسم مطراناً على إثيوبيا، ومن هذا التاريخ انضوت بلاد الحبشة تحت لواء الكنيسة القبطية، وتعاقب عليها المطارنة المصريون، وكان الواحد منهم يسمي (جاثليق)، ومعناه رئيس الأساقفة، وحين يتنيح، يرسل لهم آخر من مصر، وقد بلغ عددهم 111 (جاثليقاً)".

 

الجاثليق القبطي، وفق ما يوضحه فخري "كان يُرسم أساقفة بالكنيسة الإثيوبية، وكانوا من أبناء البلد، وبمرور الوقت، تزايد عدد الأساقفة الإثيوبيين. وفي زمن البابا شنودة الثالث، وهو البطرك رقم 117 في كنيسة الإسكندرية، طالب الإثيوبيون أن يُرسموا رأس الكنيسة من بين الأساقفة المحليين، خصوصاً أنهم بات لديهم مجمع خص، وأرادوا أن ينتخبوا الجاثليق من بينهم".

 

وبشأن الدور الذي لعبته السياسة في انشقاق الكنيسة الإثيوبية عن كاتدرائية الإسكندرية، يقول أستاذ التاريخ "إن آخر إمبراطور إثيوبي وهو هيلا سيلاسي، وقد كان يحترم الجاثليق المصري ويبجله، وكان ينصت إليه لدرجة كبيرة، ومن ثم كان للجاثليق تأثير كبير في إثيوبيا كلها".

 

ويضيف فخري: "بعد انقلاب منغستو هيلا مريام عام 1974 على الإمبراطور، تغيرت الموازين تماماً، فلم تعد علاقة حاكم إثيوبيا والجاثليق المصري كما كانت، وضعفت العلاقة بين الكنيستين، وبدأت المطالبة باستقلال الكنيسة الإثيوبية إدارياً، وإن بقي الإيمان واحداً".

 

الاحتواء والصدام

الكاتب والمفكر القبطي كمال زاخر يرى أن "السياسة لم تكن السبب الرئيسي في هذا الانفصال، نعم كان لها دور، لكنه يأتي في الترتيب الثاني، فقد كانت البداية مع عدم إدراك الكنيسة المصرية لحقيقة أن الكنيسة الإثيوبية نضجت، وأصبح هناك أجيال متتالية من الأساقفة الإثيوبيين، كما أن الدولة الإثيوبية تغيرت كثيراً، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، وخروج إيطاليا من أراضيها، وبداية البحث عن فكرة التحرر".

 

السبب الرئيس في رأي زاخر هو أن "الكنيسة القبطية لم تدرك هذه التغيرات، وأصرت أن تبقى الولاية الكاملة لها على الكنيسة الإثيوبية، هذا الموقف لم يتفق مع تطلعات الإثيوبيين، الذين كانوا يرغبون في أن يكون لهم هيئتهم الكنسية المستقلة، مع بقائهم تحت ولاية الكنيسة المصرية، وهو نفس ما يحدث مع الفاتيكان، والكنائس الكاثوليكية المحلية".

 

ما مدد من ارتباط الكنيسة الإثيوبية بالكنيسة المصرية بعد الحرب العالمية الثانية، حسب وجهة نظر زاخر "هو وجود شخصية مثل البابا كيرلس السادس، لأنه كان يمتلك قدراً كبيراً من الأبوية، وليس له تطلعات سياسية، إضافة إلى وجود شخصية مثل الإمبراطور هيلا سيلاسي، والعلاقات الشخصية القوية ما بين الاثنين".

 

ويشير المفكر القبطي إلى أن "التغير الذي حدث، جاء من اتجاهين، أولهما الانقلاب على سيلاسي، وهو انقلاب شيوعي وقبائلي في الوقت ذاته، وثانيهما رحيل البابا كيرلس، وظهور البابا شنودة، الذي كان له باع في التفكير السياسي. أسهم هذا التغير الأخير في تراجع البعد الروحاني وتقدم الشعور بالرغبة في السيطرة، وهذا لم يتماشَ مع الثورة الشيوعية التي حدثت بإثيوبيا".

"كل هذا عجّل من الصدام بين الكنيستين، وصعّد المطالبة باستقلال الكنيسة الإثيوبية، ثم الانفصال وتنصيب مطران إثيوبي" يقول زاخر. ويضيف: "لقد تحولت العلاقة من أبوة وبنوة، إلى علاقة ندية، وإن ظلت الطقوس والإيمان متطابقين".

 

عودة الارتباط

1500 عام من الارتباط، و111 مطراناً مصرياً ترأسوا صلوات الكنيسة الإثيوبية، هل يمكن أن يساهم هذا الارتباط التاريخي الممتد في عودة العلاقات بين الجانبين؟ خصوصاً مع الانقسامات التي سببتها الصراعات القبائلية؟

يؤكد المفكر القبطي أن "هناك محاولات الآن، خصوصاً بعدما اختفى البابا شنودة برؤيته السياسية، ومجيء البابا تواضروس، الذي لا يتعامل مع السياسة بشكل كبير، ولديه توجه لما يمكن أن نسميه بلمّ الشمل، وهو يعمل على فتح قنوات للحوار مع الكنائس الأخرى، مثل الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية، ومن ثم يفتح باب الحوار مع الكنائس الأقرب ومنها الكنيسة الإثيوبية".

 

ويشير زاخر إلى أن "هذا التوجه أنتج تبادلاً للتفاهمات بين الكنيستين، وأصبح يذكر اسم البطريرك الإثيوبي في الكنيسة المصرية، وكذلك يذكر البطريرك المصري بالكنيسة الإثيوبية، من باب أنهما إخوة، وهو ما يمثل اعترافاً قبطياً باستقلالية الكنيسة الإثيوبية، ويفتح المجال للتقارب والحوار بين الكنيستين".

 

من جانبه يرى أستاذ التاريخ بمعهد الدراسات القبطية أن "الإثيوبيين، خصوصاً القدماء منهم، ما زالوا يعيشون على أمجاد الإمبراطور سيلاسي، واحترامه للكنيسة، لكن هل يمكن أن يعود الوضع بين كنيسة الإسكندرية والكنيسة الإثيوبية كما كان؟ لقد تغير الوضع، والسياسة اختلفت، والأوضاع في إثيوبيا متأزمة للغاية".

المصدر: النهار العربي

القاهرة - ياسر خليل

المصدر: "النهار"






إقرأ أيضاً

مناشدة الراعي ويونان التدخل لوقف "تهويد القدس"
ابرشية جبيل وقرطبا ودعتا المونسنيور السخن

https://www.traditionrolex.com/8