https://www.traditionrolex.com/8


مارون الحكيم "بالفنّ أحيا": كتاب العمر مجلّد فنّيّ ضخم بالألوان وباللغات الثلاث عن ثالـــوث الفنّان الـتشكيليّ


On 13 October, 2021
Published By Tony Ghantous
مارون الحكيم "بالفنّ أحيا": كتاب العمر مجلّد فنّيّ ضخم بالألوان وباللغات الثلاث عن ثالـــوث الفنّان الـتشكيليّ

صدر ل#مارون الحكيم "بالفنّ أحيا"، وهو #كتاب العمر، كناية عن مجلّد فنّيّ ضخم وعمل طباعي أنيق (650 صفحة من الحجم الكبير)، يضمّ مجمل مراحل النحّات الرسّام ومحطّاته التشكيليّة. الكتاب يتضمّن أبحاثًا نقديّة، وهو بالألوان، ومزيّن بالمنحوتات والرسوم وأعمال التجميع، ويروي سيرة الحكيم باللغات الثلاث، العربيّة والفرنسيّة والانكليزيّة، ويلقي الضوء على تجربةٍ ذات خصوصيّة في مسيرة الفنّ التشكيليّ اللبنانيّ (توزيع مكتبة أنطوان).

 

ينتمي مارون الحكيم إلى الجيل الذي أعقب مرحلة الصدمة الثقافية الكبرى في الستّينات العالمية، وتداعياتها اللبنانية والعربية. لذا كان على ذلك الجيل بالذات، أن يواجه مستوى إضافيًّا مضاعَفًا من التحدّي المعرفيّ لاستيعاب تلك الصدمة، والمرور فيها، والخروج منها، بالانخراط في أسئلتها الحداثية المعقّدة والمتشابكة، وبلورة شخصيته وخصوصيته. كان لا بدّ، والحال هذه، من أن يروح الفنان يبحث طويلًا عن مكانٍ شخصيّ لِذاته التشكيلية، ليجدها في ذاته قبل أن يعثر عليها في أيّ موضعٍ آخر؛ في تراكماته الواعية واللاواعية هو، في طفولة حياته هو، في تنشئته هو، في رسمه هو، في نحته هو، في رؤيته هو، في تصوّراته هو، وفي اختباراته الكثيفة والمتنوّعة هو، المفتوحة على اللامتناهي من التجريب والابتكار..

 

 

هذه هي الخصوصية التي ميّزت تجربة مارون الحكيم الفنية، نحتًا ورسمًا، ونحتًا مرسومًا، ورسمًا منحوتًا، وفنًّا تجميعيًّا، وجعلته يشقّ مراحلها بدأب وصبر وحنكة، مرحلةً مرحلة، مشيّدًا لها الموقع الجدير بالمتابعة.

 

في النحت والرسم والتجميع، أدرك مارون الحكيم أن خياره الفنّي لا ينفصل البتّة عن شخصيته التي تنشّأت في عائلة من النحّاتين الطبيعيين، العاملين على صقل الحجر وتشذيبه وإزالة الزوائد فيه، تمهيدًا لإحلاله الموضع الذي يتناسب وإياه في البنيان الإيقاعي والبصري العام، أكان ذلك كجزء من هندسة الجلول في الطبيعة، أو كانخراط في عملٍ معماري مديني. ثمة مكوّنات لا بدّ من الإشارة إليها، تمثّل المرتكزات التي قامت عليها تجربة مارون الحكيم المتنوعة: الموهبة باعتبارها نعمة؛ الطبيعة باعتبارها المعلّم الأول؛ الأرض باعتبارها أمومةً وأنثى؛ الإنسان باعتباره القيمة المطلقة؛ الجذور العائلية والبيئية؛ النحت باعتباره الشرارة الأولى؛ الرسم والتلوين باعتبارهما فعلًا مكتسبًا بالتعمّق؛ السيراميك باعتباره منطلقًا أوليًا للتفاعل بين الأحجام والألوان؛ جدلية العلاقة بين النحت والتصوير؛ أرض الاختبار المشتركة بين اللوحة المنحوتة والقماشة المنحوتة والمنحوتة الملوّنة، وصولاً إلى استيلاد فنون التجميع من أرض الاختبار المشتركة هذه؛ الحرب باعتبارها جلجلة ومطهرًا؛ الإيمان بأن الطفولة والوداعة والحبّ والأمل هي، لا اليأس والإحباط والموت، سرّ الحياة والفنّ على السواء؛ المغامرة البحثية هي الكفيلة بمنح الفن، نحتًا ورسمًا وتجميعًا لمواد مختلفة، ما لا تمنحه إياه المعطيات المادية المتوافرة، وهي شرط المستقبل لكل عمل فني يتوالد باستمرار، ويتخطى ذاته باستمرار.

 

كان التنقيب لدى مارون الحكيم هو المنطلق، وهو الشغف وهو المحكّ وهو الغاية. من هذه البداهة البيئية، الجغرافية، الطبيعية، العائلية، كان على مارون الحكيم أن يوثّق علاقته مع مكوّنات البداهة هذه، شكلاً، وحجمًا، وكتلةً، ولونًا، وفضاءً، وأن يدرس سبل التحكّم بها، لا درءًا لها، بل لاستدراجها، على طريقة الطفل الذي يريد امتلاك الشيء أولاً، ثمّ على طريقة مَن يريد أن يصنع فارقًا. البحث عن هذا الفارق كان الشغل الشاغل لمارون الحكيم.

 

ينحت مارون الحكيم كمَن يصنع أحجاماً في الهواء المتخيَّل. كيف ينحت مارون الحكيم؟ لا تعنيني البدايات إلاّ من حيث كونها تأريخًا وتوثيقًا وذريعةً وخطوةً أولى. هي بالغة الأهمية إذا أُخِذت لتوضع في موضعها التاريخي. لكن، ما يعنيني بشكل أساسي هو تفكيك الحجر أو الخشب. كيف؟ بالذهن الذي يُرشِد الإزميل إلى إيقاعاته. ذلك يتمّ من خلال الشراكة بين العين واليد والعقل. لا شيء يتقدّم على شيء في هذه المثالثة المتأنية التي تفترض أن الانفعال لا يحجب ذاته إلاّ لكي يبحث عن المسام التي يتنفس منها. الدلالة تفرض نفسها، لا المعنى في ذاته. المعنى يتمظهر في الشكل، في التجريد، في التجسيد، في التشخيص، في الترميز، في الوحدانية، في التثنية، في التثليث، في الانحناء، في الالتواء، في الامتشاق، في الأنوثة، في الأمومة، في الذكورة، في الابتهال، في الترجّي، في الصلابة، في الكبرياء، في الانتصاب، في التكوّر، في الالتصاق، في الملامسة، في المجاسدة، في المعاندة، في الليونة، في الانسياب، وفي لحظة الارتعاش الناجمة عن اشتداد السعير عندما يتخذ الشكل حجمًا، ويحاور الفراغ الذي ينسحب لتوّه، مُخليًا المكان لهندسةٍ رديفة ليست قادرة على ارتشاف المعنى إلاّ من خلال أوجاع اللذّة. هل يُعقَل أن تتماشى اللذة مع الوجع؟ لا يمكن إلاّ ذلك. هذه اللذّة المُنهِكة لليد والذهن والروح، هي تستلزم أيَّ انخطافٍ، يا ترى، من أجل أن تحافظ على إيقاعاتها وتوازناتها وموسيقاتها؟ أعرف ما تستلزمه الكتابة، ويمكنني أن أتصوّر الكائن الكاتب مرميًّا كالجثة بعد إنجاز فعل الكتابة. لا بدّ أن شيئًا أكثر من ذلك بكثير يعتري النحّات الذي "يكتب" منحوتته بجهدٍ أفترض افتراضًا تأويليًا أنه سيكون مُضاعَفًا، مرارًا وتكرارًا. تسللتُ مرارًا وتكرارًا إلى محترف النحّات، وتأملتُ انكبابه على عمله من خلف الزجاج الفاصل، وهو مكمَّمٌ وممعنٌ ومنخطفٌ ومستقيلٌ من العالم. الجسد أقلّ، الشكل أكثر.

 

هل من هويةٍ أسلوبية في تجربة مارون الحكيم النحتية؟ إنه صاحب أسلوب بالطبع، ولهذا الأسلوب مكوّناته وخصوصياته، حيث يتآخى النافر الناتئ المشمس مع المتكوّر الخافت الظليل المنسحب إلى الداخل، في اختبارٍ شكليّ متواصل يستفيد من الضوء والظلّ، ومن منطق التذكير والتأنيث، مؤسِّسًا ذلك كلّه على ثوابت تشكيلية لا مفرّ منها، لينطلق إلى المتحوّلات التي لا تنفكّ تبحث عن أحجامها وفضاءاتها المتأثرة ببصمات العاصفة و/أو النسيم اللطيف على جسد المنحوتة. هذه الأسلبة استطاعت إلى حدّ كبير أن تنجز مهمتها في المجالات الثلاثة، الحجر، المعدن، والخشب، معتقد ًاأن الحجر يظلّ المجال الأرحب لاختباراته، لارتباط ذلك بالنشأة والغريزة والطفولة والإرث.

بدأ مارون الحكيم في الرسم حيث لا يبدأ الآخرون. لم يبحث، كما في كل البدايات، عن الاطمئنان في تَصَوُّر اللوحة، ولا في بنائها. لم يبدأ من الماضي، ولا من الحاضر. بدأ من المستقبل. كأنه لم يُرِد أن ينطلق من إرث، أو من تأثرات محددة، محلية أو خارجية. فكانت تجربته الأساسية الأولى اختراقًا نوعيًا لمفهوم السطح التشكيلي، الذي بدا خروجًا على المألوف بكلّ ما في الكلمة من معنى.

لا الموضوع، بل السطح في ذاته، كان هو الإشكالية. كيف يمكن أن أقدّم سطحًا تشكيليًا مغايرًا، وأنا أرسم "الموضوع" غير المغاير، أي الموضوع "التقليدي". الطبيعة مثلاً؟ بهذه الروحية، روحية البحث والاختبار والتجريب، واجه التحدّي الأساسي الذي لا يزال شغله الشاغل، وموضع اختباره في مراحله كافة. رأى مارون الحكيم أن السطح التشكيلي ليس مفهومًا منجزًا، بل هو في قيد الإنجاز الدائم. تاليًا، يمكن إعادة النظر فيه باستمرار، ومقاربته بأساليب ومواد أولية مختلفة. لا بدّ من الرسم بالطبع، ولا بدّ من أن يكون الرسم باللون، لكن مقاربة ذلك بدت بالنسبة إليه هي التي تحتاج إلى تصوّرات شخصية، نابعة من كينونته ومن شخصيته، قبل أن تنبع من أيّ مكان آخر أو خلفية ثقافية أخرى.

أعتقد أن أحد الأسئلة الإشكالية التي شغلت مارون الحكيم السؤال الآتي: كيف أرسم بالسكّين والإزميل؟ كيف أنحت بالريشة والفرشاة والقلم؟ لم يكن نحت السطح لدى مارون الحكيم إلاّ تعبيرًا لديه عن الرغبة في تجسيد الهاجس المزدوج، لكن المتآخي والمتوائم والمتكافئ؛ اعتبار السطح متكأ تشكيليًا متوقعًا ومتعارفًا عليه لمفهوم اللوحة، لكن عدم الاكتفاء به كمنبر مرئيّ وظاهر للتشكيل. من هنا نشأ هاجس البحث المزدوج، انطلاقًا من سطح اللوحة، من داخله، وفيه، عما يكتنف هذا السطح من أسرار وغوامض وربما طبقات، من شأن أدوات العمل (السكّين، الإزميل، الريشة، الفرشاة، القلم...) ذات الكفاءات التنفيذية المتعددة أن تساهم في تفتّح آفاقه والاحتمالات. يمكن استدراج هذا الهاجس إلى كامل أحواله، من أجل بلورة ما سيطرأ على السطح التشكيلي من اشتغالات، كانت الطبيعة ملعبها الفسيح، وهي الطبيعة التي شاءها الفنّان أن تكون كائنًا حيًا، أنثى بامتياز، حيث اعتبرها على الدوام ذات كينونة بشرية تمتلئ بالحالات المتناقضة، وتغصّ بالعواطف والمشاعر الانسانوية المرتبطة على الدوام بما كان يستشعره الفنان من مستويات الهناء والطمأنينة والسكينة والانسياب والسيولة من جهة، والعذابات والآلام والتوترات والانفعالات الجامحة، الممثلة في تمثلات الحروب وترميزاتها وتجسداتها وويلاتها من جهة ثانية.

 

كلما كان مارون الحكيم يلامس الطبيعة، كنتُ أتدارك أنه يفعل ذلك مهجوسًا بهذه الفلسفة الكيانية المعقّدة والمركّبة. أقصد أنه لم يفعل أي فعلٍ تشكيلي مستلهَم من الطبيعة إلاّ كان الذهن لديه شغّالاً، في محاولة مستمرة من الفنّان لالتقاط أثيرية الطبيعة المبتهجة، اللطيفة، الإيجابية، أو لالتقاط تكوينات العذاب القاسية والمتوحشة في الوجع البشري، معبَّرً اعنها إمّا بالعنف اللوني، وإمّا بتجسّدات المخاض وأشكاله الزلزالية، وإمّا بالدامس الداكن من الألوان انسجامًا مع إفاضات اليأس والصراخ.

أقصد أن علاقة مارون الحكيم بالطبيعة، كموضوع، هي علاقة دائرية. كلّما ابتعد عن البداية، اقترب منها. وكلّما راح يبحث عن اختبارات جديدة، وجد نفسه يتفاعل مع السؤال ذاته، ومع تحديات السؤال، وافتراضات الأجوبة المفتوحة على اللانهائي.

من الضروري معرفة ما يختبره الفنان أيضًا ويعمل عليه راهنًا، لجهة تطعيم الحديد بالخشب في أعماله النحتية، وجعلهما يتناغمان، على رغم التناقض بين القسوة والليونة، ولجهة تمكين الحديد من الالتفاف على ذاته معانقًا الخشب من الخارج، ومخترقًا إيّاه من الداخل.

هو يتجدد باستمرار في المجالات التشكيلية الثلاثة، لكنه لا يتوانى في كل مرة عن ارتياد مفهوم التوأمة بين الرسم والنحت والتجميع، ومراودة هذا المفهوم، للتقريب بين المتنافرات والمتناقضات، والتأليف بينها، بحثًا عن خلقٍ إبداعيّ مغاير، يتوالد باستمرار.

المصدر: "النهار"

 

عقل العويط

المصدر: "النهار"






إقرأ أيضاً

اللبنانيّة ياسمينا الصبّاح "السيدة الأولى" لأوركسترا "فردوس": "إكسبو دبي" منعطف حياة
محمد رمضان يطرق باب الانتقادات من داخل الطائرات مجدداً نشر لنفسه مقطع فيديو راقصاً مع مضيفتين

https://www.traditionrolex.com/8