https://www.traditionrolex.com/8


السدود في لبنان: مليارا دولار لمشاريع فاشلة سلفاً!


On 13 October, 2021
Published By Tony Ghantous
السدود في لبنان: مليارا دولار لمشاريع فاشلة سلفاً!

رصدت "الخطة العشرية للادارة المتكاملة للمياه" التي وضعتها وزارة الطاقة والمياه، تأمين موارد مائية اضافية تشمل مشاريع مياه الشفة، من خطوط جرّ وخزانات وشبكات وسدود وبحيرات جبلية. أما المبالغ التي رُصدت في خطة #السدود فبلغت مليارا و975 مليون دولار لمجمل السدود الـ29، عدا عن سد بسري من خارج الخطة والذي توقفت الأعمال فيه على خلفية المعارضة الشديدة التي واجهته بعدما كلف الدولة 155 مليون دولار لزوم الاستملاكات.

 

 

تتفاوت الآراء حيال موضوع بناء السدود بين مؤيد ومعارض، وتاليا لا يمكن أن تكون هناك إجابة واحدة وجاهزة عن منافع السدود او مخاطرها، فالأمر نسبي ويتعلق بأوضاع كل منها وظروفه، لا سيما الهيدرولوجية والجيولوجية. من حيث المبدأ يجب التمييز بين هذه الحالات، وفي مقدمها ما يتعلق بإمكان تلبية الطلب الحالي على المياه وللسنوات المقبلة من مصادر أخرى غير السدود. إذ لو أخذنا مناخ أو سنوات الجفاف أو الشح الوسطي، حيث هناك سنوات كانت تشهد 80 – 90 يوم مطر (صارت 50 نتيجة التغيرات المناخية)، ولكن ثمة سنوات يمكن أن يهطل فيها المطر بغزارة خلال فترة قصيرة (من شهرين الى 3 أشهر). خلال فترة الذوبان، اذا لم تضبط المياه وتخزينها لا يمكن تلبية الطلب وتأمين الأمن الغذائي خلال فترات الشح. في مثل هذه الحالات يؤكد خبراء اننا نحتاج إلى سدود لتأمين التغذية بالمياه، ولكن هذا لا يعني أن علينا بناء السدود في أي مكان. والعكس ليس صحيحاً، بمعنى الامتناع عن بناء سدود، فالمعيار هو حفظ المياه لوقت الحاجة.

 

الى ذلك، ثمة اعتبارات أخرى تتعلق بالمياه الجوفية المتشاركة مع دول متجاورة والفائدة من استخراجها لضمان حصتنا منها مع مراعاة الأعماق وتكاليف الحفر والتجهيز والاستخراج والتوزيع عن طريق الضخ، مقارنة بتكاليف بناء السدود وهندستها وأمانها البنيوي وكلفة صيانتها وتأثيرها السلبي ربما على ريّ الأراضي المستفيدة من مصادر المياه التي تغذي السد.

 

 

لماذا لا تُستثمر المياه الجوفية؟

 

الخبير الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي الذي يُعدّ من اشد المعارضين لبناء السدود ويدعو دائما الى استثمار المياه الجوفية المتجددة سنويا، يرى ان هذا الحل هو الأمثل والأقل كلفة استنادا الى الدراسات الجيولوجية والهيدرولوجية والهيدروجيولوجية. ويلفت الى الحجج المعتمدة للترويج للسياسة المائية الجديدة، إذ تعتمد الدولة في سياستها الحالية على منع حفر الآبار العامة والخاصة وذلك بحجب الترخيص لها.

 

ويشير زعاطيطي لـ"النهار" الى الإنعكاسات السلبية للسياسة الجديدة، "فهي تؤدّي في حال طُبقت مشاريع السدود إلى استنزاف الخزينة، وسوف تحدّ من قدرة اللبناني على استثمار ثروته الطبيعية الوحيدة، يساعدها في ذلك غلاء سعر الكهرباء والمحروقات".

 

وإذ يرى أن "هذه السياسة لا تعتمد على دراية بواقع البنية الجيولوجية لبلدنا فهي صخرية كلسية بامتياز"، يعتبر أن "استثمار المياه الجوفية المتجددة سنويا هو سياسة واقعية إعتمدتها معظم الدول الأوروبية حديثا بعد التخلي عن سياسة السدود الصغيرة التي أثبتت عدم جدواها وكلفتها العالية، (إستملاك الأراضي – كلفة الإنشاءات - معالجة المياه المعدّة للشرب، تدنّي القدرة الإستيعابية للسدود مع الوقت نتيجة ترسّب الوحول داخلها) وهذا ما دفع فرنسا مثلا الى تدمير 50 سدا صغيرا في الأعوام الماضية".

 

ثمة نظرية تفيد أن لبنان منذ الاستقلال استنزف مخزونه الجوفي من المياه وهناك تراجع في مستواه يصل إلى 100 و150 متراً مكعباً في بعض المناطق مثل البقاع حيث لم تتم الافادة من المياه السطحية التي تذهب إلى البحر، وتاليا ليس هناك رأي منزل مع السدود أو ضدها، وفق ما يقول المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون الذي يميز بين 3 فئات من السدود، منها ما ليس معرّضا لمشاكل جيولوجية، وهذه الفئة التي برمجتها المديرية العامة للموارد المائية في وزارة الطاقة والمياه ضمن المرحلة الأولى من الخطة العشرية، نسفها النهج الجديد، وهناك سدود تعتريها مشاكل صعبة وسدود أخرى تعتريها مشاكل شديدة التعقيد تستوجب المعالجة وإعادة التغليف أو الحقن بعد 20 أو 30 سنة، وهذا نجده معتمداً في دول عدة. ولكن المنطق يستوجب البدء بالسدود ذات الواقع الجيولوجي البسيط، حتى لو أن هناك سدودا معرّضة للتهريب فبالإمكان اللجوء إلى تقنيات حديثة للمعالجة وحفظ المياه ومنعها من الذهاب إلى البحر. وهناك تقديرات تصل إلى مليار ومئتي متر مكعب من المياه التي تذهب إلى البحر سنويا".

 

ولكن لماذا التمسّك بالسدود رغم فشلها، ورغم فارق الكلفة بين الاعتماد الأساسي والعقود الملحقة والمقارنات؟ السبب بسيط برأي بيضون وهو "سوء استغلال الصراع بين وجهات النظر المتعارضة في هذا المجال والمنفعة الدعائية السياسية وربما المادية التي يمكن أن يحققها الوزير من خلال استغلال موقعه والانتفاع من الاستملاكات على أكثر من مستوى وصعيد، لا سيما أنه يمكن بسهولة الحصول على موافقة مجلس الوزراء على زيادة الأشغال والكميات والتوسع في الاستملاكات، التي تؤدي معاً إلى زيادة الكلفة الأساسية للمشروع بنسب مرتفعة. أضف إلى ذلك إمكانية إلزام المتعهدين بمقاولين من الباطن أو بأصحاب مكاتب استشارية يختارهم الوزير. وكذلك تحميل أعباء وتعويضات ورواتب مستشاري الوزير الكثر على حساب المشاريع، لا سيما عندما يكون التمويل خارجياً. وهذا ثابت من مشروع جر مياه الأولي إلى بيروت المتعدد المرحلة". ولا ينسى بيضون الاشارة الى "المنفعة المالية من بيع الرمول ونتاج الحفر من البحص، اضافة الى عدد عقود المكاتب الاستشارية لوضع الدراسات ووضع دفاتر الشروط والإشراف على التنفيذ والتسليم، إن لناحية كلفتها العالية أو جدية عملها وإشرافها ومدى مسؤوليتها عن النتائج السلبية والخلافات التي يمكن أن تنشأ مع المتعهدين وتؤدي في كثير من الحالات إلى مصالحات تكبد الدولة مبالغ مهمة من دون البحث عن المسؤولية عنها، أو إلى دعاوى تحكيمية تكبد الدولة أعباء مالية كبيرة".

 

وقد تبين لـ"النهار" من المعلومات التي استقتها من مصادر عدة عن كلفة السدود ووضعها الحالي الآتي:

-  سد شبروح وهو أول مشروع أنجِز ضمن الخطة العشرية، دُشن في 3 تشرين الأول 2007. ويهدف إلى تأمين تخزين 8 ملايين متر مكعب سنويا لسد العجز الحاصل في ميزان مياه الشفة والري وإلى تغذية مناطق قضاء كسروان بكمية 60 ألف متر مكعب يومياً من مياه الشفة خلال أشهر الشح مع تحويل، ولمدة محددة، كمية 12000 ألف متر مكعب من هذه المياه الى منطقة المتن.

 - سدّ بريصا: المبلغ المرصود له في الخطة العشرية 3 ملايين دولار، فيما تشير المعلومات الى أنه كلف 27 مليون دولار، خصوصا انه رُصد له مبلغ 8 ملايين دولار لتأهيل أرضيته كون طبيعة الأرض الكلسية في منطقة السدّ لا تسمح بتجميع المياه. ولكن السد فشل في تجميع المياه بسبب طبيعة الأرض، بعدما تبين وجود تفسّخ في الصخور.

 - سد بلعا: كلفته في الخطة لا تتجاوز 26 مليون دولار. ولكن ثمة معلومات قدرت كلفته بنحو 90 مليون دولار، فيما أكدت وزارة الطاقة في تمّوز 2020 أنّ كلفة السد لم تتجاوز 45 مليون دولار وقد شارفت الأشغال نهايتها فيه.

- سد المسيلحة: انتهت أعمال البناء بالسد في أواخر 2019. رصدت الخطة له 55 مليون دولار، فيما تشير المعلومات أنه كلّف 74 مليون دولار. قُدرت كمية المياه التي سيؤمنها بنحو 30 ألف متر مكعب يوميا، وهي تشكل الحاجات الإضافية في الأعوام ما بين 2035 و2040. ولكن السد يعاني من عيب أساسي يتمثّل بقربه من المصبّ، بما سوف يؤدّي الى تجمّع نسب كبيرة من الترسبات والوحول وترقّدها خلف السد، ولضعف الجاذبية لجر المياه ما يستدعي استخدام المضخات المكلفة.

 - سد القيسماني: وصلت كلفته إلى 30 مليون دولار، في حين كانت الكلفة المرصودة له لا تزيد عن 25 مليونا. السد يعاني من مشاكل التسرّب على رغم المحاولات المتكررة لإصلاحه.

- سدّ جنة: رُصد له 300 مليون دولار، فيما تشير التوقعات الى أن الكلفة الإجمالية ستصل إلى 855 مليون دولار.  ويؤكد بيئيون أن هذا السد قد يكون أشد خطورة من سدّ بسري نظرا الى ان الطبيعة الجيولوجيّة للأرض غير صالحة لإنشاء سد، بدليل ان ارض بسري فيها فالق واحد، أما جنة ففيها 3 فوالق. وعلى رغم المعلومات التي تفيد ان العمل توقف في هذ السد، أكد المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان المهندس جان جبران، عدم توقف المشروع، بيد انه أشار إلى أن التحديات التي يواجهونها لا تقتصر على إتمام الأعمال في سد جنّة فحسب، إنما على كل المشاريع التي تقوم بها المؤسسة على اعتبار ان المتعهدين يجدون صعوبة في إكمال المشاريع والتعهدات الممولة بالعملة الوطنية. وكان المعهد الفيديرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعيّة BGR   أوصى بعدم تنفيذه "بعدما أكّدت الفحوص عدم قدرة السد على تجميع المياه بسبب نفاذيّة الصخور وحتميّة تسرّب المياه نحو نبع جعيتا".

  • - سد بقعاتا: خُصص لتنفيذه نحو 69 مليون دولار في الخطة، لكنه كلّف أكثر من 88 مليون دولار. لاحقا تبين أن كسرا أرضيا كبيرا يخترق قاعدته، وتقرر تغليفه بأنسجة مانعة géotextile . ولكنه حتى الآن لا يجمع المياه بالقدر المطلوب.

- سد العاصي: جرى تلزيمه في العام 2005 بقيمة 32 مليون دولار، إلا ان الأعمال فيه توقفت خلال حرب تموز 2006 بعدما أغار الطيران الإسرائيلي على موقع العمل. وفيما رسمت مصادر متابعة علامات استفهام على المواقف المعارضة له، أكد زعاطيطي أن قاعدته الجيولوجية مناسبة، فهي طينية مانعة للتسريب العمودي (ليست كارستية). وأوضح أن المنطقة بحاجة الى كهرباء ومياه رخيصة لأن أمطارها قليلة (200 الى 250 ملم / سنويا)، ومناخها شبه صحراوي الى صحراوي، لافتا الى أن "حصتنا من النهر بعد التفاوض مع السوريين 80 مليون متر مكعب/ سنويا  من أصل نحو 400 مليون متر مكعب/ سنويا معدل تصريف العاصي".

- سد بسري: كان من المفترض ان يصار الى تنفيذه من خارج الخطة بكلفة 617 مليون دولار، بينها 474 مليونا من البنك الدولي، ولكن بسبب المعارضة الشديدة أوقف البنك الدولي تمويل المشروع.

المصدر: "النهار"

 

سلوى بعلبكي

المصدر: "النهار"






إقرأ أيضاً

"ابصقوا في وجهي"... الدّولار يتحدّى مستشار أردوغان
استقلاليَّة "المركزي" هي الحَلّ وليس مجلس النَّقد

https://www.traditionrolex.com/8