مجلس دستوري أم تشريعي؟


On 20 September, 2021
Published By Tony Ghantous
مجلس دستوري أم تشريعي؟

هل حلَّ المجلس الدستوري محل #السلطة التشريعية في التعبير عن ارادتها وصياغة القوانين وتعديلها؟ هل يدرك أعضاء المجلس الدستوري ماذا صنعت أيديهم بالقرار الرقم 5/ 2021 تاريخ 21-8- 2021 في موضوع الطعن بقانون الشراء العام؟

هل يدركون ان هذا القرار قلب المعادلة الراسخة، من ان موظفًا معيّنًا وفقًا للأصول يُصرف من وظيفته، عملًا بأحكام المادة 65 من الدستور، بقرار من مجلس الوزراء، وفقًا لأحكام القانون، الى المعادلة الآتية: ان موظفًا معينًا، في الملاك الإداري العام الدائم، رئيسًا لادارة المناقصات، التي اصبح اسمها هيئة الشراء العام بموجب قانون الشراء العام، اصبح بفعل قرار المجلس الدستوري، الملزم للسلطات كافة، موظفًا موقتًا الى حين تقرر السلطة السياسية استبداله، من دون ان يشغر موقعه، أي ان المجلس الدستوري المؤتمن على مراقبة حماية القانون للحقوق المكتسبة للموظفين قد حرم موظفًا محددًا بالشخص هذه الحقوق، وعرّضه لابتزاز نهجٍ ما انفك يهدد بإقالته.

هل يدرك أعضاء المجلس الدستوري ان حق اقالة الموظفين سندًا للمادة 65 من الدستور كما تعيينهم هو للسلطة التنفيذية، وان انكارهم حق التعيين على السلطة التشريعية لا يعطيهم لا هم ولا هي حق الإقالة؟ هل يدرك أعضاء المجلس الدستوري ان الهيئات العمومية المستقلة  Les Autorités Publiques Indépendantes   وهيئة الشراء العام واحدة منها، انما أنشئت اصلًا لتكون مستقلة وبعيدة عن تأثير السلطة التنفيذية، وهي لا تخضع لا لسلطة وصاية ولا لرقابة تسلسلية؟

هل يدرك أعضاء المجلس الدستوري ان الاحكام الانتقالية Dispositions Transitoires   تربط بين نص ونص، هيكل اداري وهيكل اداري، وهي غير الاحكام الموقتة DispositionsTemporaires   التي يُعمل بها لفترة محددة، والدليل ان المشرع في المادة 88 الفقرة الأولى (وليس البند الأول) قد نص على كيفية انتقال رئيس إدارة المناقصات وموظفيها والعاملين الى المسمى الجديد هيئة الشراء العام، من هنا جاءت تسمية المادة احكام انتقالية؟ استطرادًا، هل يريد أعضاء المجلس الدستوري ان تكون هذه الاحكام الانتقالية موقتةً بالنسبة الى رئيس إدارة المناقصات ودائمةً بالنسبة الى موظفيها والعاملين فيها، علمًا ان الرئيس وسائر الموظفين والعاملين هم في الوضعية ذاتها بالنسبة الى القانون العتيد؟ أم ان مبدأ المساواة لم يعد قائما في الدستور؟

هل يدرك أعضاء المجلس الدستوري ان كلمة "يكون" في الفقرة الأولى من المادة 88 هي لتنظيم المواءمة بين هيكليتين إداريتين لكيان واحد، تبدل اسمه وتوسعت مهامه وتغير شكله الإداري ليحملَ اسم هيئة الشراء العام بدل إدارة المناقصات كما جاء في متن القانون واسبابه الموجبة تكرارًا، ولتنظيم الانتقال من نص قديم الى نص جديد على نحو مستدام؟

هل يدرك أعضاء المجلس الدستوري، وقد ارهقوا انفسهم، ايامًا ولياليَ، في تحليل نية المشرع من الفقرة الثانية من المادة 88 من قانون الشراء العام، ان هذه النية هي تأمين استمرارية المرفق العام لئلا يتأخر تعيين أعضاء الهيئة، من غير الرئيس، المضافين الى الملاك الإداري السابق، فكان النص ان يتولى رئيس الهيئة مهامها الى حين تعيين الأعضاء؟

هل يدرك أعضاء المجلس الدستوري ان بحذفهم كلمة "أعضاء" من هذه الفقرة قاموا بتعديلها بحلول غير دستورية محل السلطة التشريعية، لتنطوي على اقالة مقنّعة لم يتبنَّها المشرع لا في لجانه المشتركة ولا في هيئته العامة، عبر الاجازة لمجلس الوزراء تعيين رئيس آخر غير الرئيس الاصيل بوجوده بمقتضى الفقرة الاولى من المادة 88 ذات النص الواضح الصريح؟ واستطرادًا، لماذا لم يفصح لنا أعضاء المجلس الدستوري، كاشفي نوايا المشرع الخفيّة، ماذا سيكون مصير الرئيس "الموقت" (الأصيل) لهيئة الشراء العام عند تعيين رئيس من قِبل مجلس الوزراء لهذه الهيئة؟ وأين ذهبوا بالحقوق المكتسبة؟ ومن اين استمدوا شرعية صياغة القوانين والاقالة القيصرية للموظفين؟

هل يدرك أعضاء المجلس الدستوري انهم باعادة صياغة الفقرة 2 من المادة 88 من قانون الشراء العام على الشكل الآتي: الى حين تعيين الهيئة، يتولى رئيس الهيئة مهامها، تجاوزوا دورهم واختصاصهم  من الرقابة الى التشريع ولكن بصياغة مبهمة غير واضحة؟ فاذا كان رئيس الهيئة من ضمن الهيئة، وهذا صحيح وهذا ما اوضحه أعضاء المجلس الدستوري انفسهم، واذا كان هذا الرئيس، لم يعيّن، من باب الاستطراد ليس الا، فكيف سيتولى من لم يعين بعد مهام الهيئة؟ الا اذا كانت قواعد الوضوح في التشريع باتت من الماضي في علم القانون؟ وهل تخلى المجلس الدستوري عن الاجتهاد المستقر بإبطال النص الذي يعطل غموضه تطبيقه ليتولى هو من خارج اختصاصه صياغة مثل هذه النص؟

هل طلبَ أعضاء المجلس الدستوري محاضر جلسات المجلس النيابي ولجانه المشتركة او اللجنة الفرعية للوقوف على النية الحقيقية للمشرع التي افترضوها، وهل يعلمون على الأقل ان عبارة - رئيسًا لهذه الهيئة الى حين تعيين رئيس جديد وأعضاء للهيئة من قِبل مجلس الوزراء - كانت قد اضيفت الى القانون، ونظرًا الى مدلولها الذي لا يعكس نية المشترع اسقطتها اللجان المشتركة ثم الهيئة العامة، فهل يعقل ان يسقط المشرع نصًا لأنه لا يعبر عن ارادته ثم يعود المجلس الدستوري وينسبه الى ارادته؟ وهل بات المجلس الدستوري يحل محل المجلس النيابي لاستنباط نواياه وتعديل النصوص وفقًا لهذه النوايا؟ اين نحن من الدستور والحق والقانون؟

لا اعتقد ان من حصَّن قانون الشراء العام ودحض كل مزاعم الطاعنين في كل المواد المطعون بها الا واحدة، غابت عن باله المبادئ التي اشرنا اليها، وهو من درسها وكرسها في اجتهادات نعلّمها للاجيال، فقبل الطعن حصرًا بهذا الجزء من القانون، الا اذا كانت النية التضحية بهذا الجزء لإنقاذ الباقي، وهذا ما لمَّح اليه احد العشرة الموقعين على الطعن من على احدى الشاشات، بالقول ان المجلس الدستوري توصل الى اقل مما يجب، على حد زعمه، نتيجة لاختلافِ ثم اتفاق أعضائه. هنا نقول ان وجهة النظر هذه تدمر فكرة دولة الحق والقانون، لان النظر في القانون يكون على أساس مدى انطباقه على الدستور والمبادئ والقواعد العامة وليس من ضمنها قاعدة التراضي، وان كان الامر يتعلق بقانون الشراء العام.

اخيرًا، الى السلطة التشريعية صاحبة الدور الأول في الرقابة، الى اساتذتي الكبار وهم الحريصون على قسَمهم، والى الرأي العام، اتوجه بالسؤال: لماذا وكيف قرأنا مضمون القرار قبل  اكثر من أسبوع، في "اسرار آلهة النهار" حيث ورد ان مقدمي الطعن حصلوا على تأكيد بكسب نقطتين على الأقل اهمهما اقصاء جان العلية عن رئاسة هيئة الشراء العام، هل هي صدفة ام همزة وصل لعينة بين القضاء والسياسة، وهل تقبل السلطة التشريعية التخلي عن دورها في صياغة القوانين والتعبير عن ارادتها لمصلحة المجلس الدستوري؟

عهدي لكم اساتذتي الكبار انني باق على ايماني بالدستور والقانون والمؤسسات، وليعلم الطباخون الفاسدون انني في مقاومة نهجهم بصيغة "الموقت" المبهمة الغامضة، والتي أرادوا ابتزازي بها، أشرس وأعنف من ذي قبل.

بكل محبة واحترام.

 

*المدير العام لإدارة المناقصات

المصدر: "النهار"


إقرأ أيضاً

التنقيب الايراني عن النفط: طرحٌ جدّي فهل يشقّ طريقه إلى التنفيذ؟
الظلام يسود.. الكهرباء تخذل حكومة ميقاتي قبيل اجتماع مهم