https://www.traditionrolex.com/8


نائب حاكم مصرف لبنان الأسبق محمد بعاصيري: لا حل دون ضمانة دولية لـ«حياد لبنان» ولدينا ميَّزات تفاضلية تخوُّلنا على النهوض


On 21 June, 2021
Published By Karim Haddad
نائب حاكم مصرف لبنان الأسبق محمد بعاصيري: لا حل دون ضمانة دولية لـ«حياد لبنان» ولدينا ميَّزات تفاضلية تخوُّلنا على النهوض

أثار اسم نائب حاكم مصرف لبنان الأسبق محمد بعاصيري كثيراً من الجدل يوم كان التجديد له مطروحاً بل مطلوب أمريكياً. فكان أن أطيح به في حرب لي الأذرع وتسجيل النقاط بين واشنطن و»محور إيران». يُوصف بأنه «رجل أمريكا» في القطاع المالي- المصرفي، خصوصاً أنه عمل في هيئة التحقيق الخاصة في البنك المركزي اللبناني المعنية بمهام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. طُرح اسمه لتولي حكومة اختصاصيين لتنفيذ خارطة طريق إصلاحية ممرها الحُكمي صندوق النقد الدولي.
يرى بعاصيري ان الاستقرار السياسي المستدام لا يتأمن من دون ضمانة دولية لحياد لبنان ضمن المجوعة العربية. وما عدا ذلك سيكون حلا ترقيعياً سيؤدي إلى حروب جديدة.
لديه اقتناع راسخ بأن الميّزات التفاضلية للبنان كثيرة، وأن المقومات المستقبلية يجب ان تعتمد على الخدمات، ولاسيما الخدمات المصرفية والتأمين، كما على السياحة والاستشفاء والثقافة وصناعات تقوم على اقتصاد المعرفة. يؤكد على أهمية ان استعادة العافية الاقتصادية لن تكون فقط عبر برنامج صندوق النقد، انما بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، لأنه من دون قطاع مصرفي سليم وجيد لا قيامة اقتصادية للبنان. يسأل عن المصير إذا استمرت حكومة دياب ببرنامج الدعم «الفاشل والظالم» ويتخوف من أن نفاد احتياطي العملات الصعبة من المصرف المركزي سيجعل الذهب في دائرة الخطر! وهنا نص الحوار:
○ كيف وصل لبنان إلى هذا الانهيار المالي والاقتصادي؟ هل الأسباب تعود إلى تراكمات 30 سنة أم لعدم وجود مقومات اقتصادية، كما يقول البعض، أم هي بفعل هيمنة «حزب الله» ما أدى إلى حصار غربي- عربي أو إدارة ظهر؟
• هناك شقان رئيسيان للموضوع: سياسي واقتصادي. الشق السياسي وهو مهم جداً، تجلّى عندما أخذت الحكومات، وخاصة في السنوات الأخيرة، مساراً مختلفاً أَبعدَ لبنان عن محيطه العربي. فعلى مدى سنوات، وخاصة وقت الأزمات العميقة، برهنت الدول العربية أنها المنقذ للبنان، وتحديداً بلدان الخليج والمملكة العربية السعودية. أما في الشق الاقتصادي، فقد سجلت الحكومات منذ 30 سنة، أي منذ انتهاء الحرب الأهلية، عجوزات في ميزانية الدولة، كانت تُموّل من خلال الدين الذي وصل حالياً إلى نحو المئة مليار دولار، بسبب عدم الحوكمة، والمحاصصة، والفساد الذي يشمل السمسرات والصفقات، وعدم الرؤية، وهذه ليست مسؤولية الحكومات فقط، وإنما السلطة السياسية ككل، ذلك أن موازنات الحكومات كانت تُعرض على المجلس النيابي ويوافق عليها.
هذا هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى هذه الأزمة، وهناك أمثلة واضحة تجلّت في السنوات الأخيرة، مثل إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي قُدرت كلفتها بـ800 مليون دولار، لكنها تعدّت الملياري دولار وهذا شيء غير منطقي، وهناك مثال أوضح وهو مؤتمر «سيدر» الذي خصص نحو 13 مليار دولار للبنان معظمها للبنية التحتية، ولم نستفد منه لأن السلطة السياسية لم تتجاوب مع متطلبات الإصلاحات الإجرائية. وهناك مسؤولية أقل تتحمّلها المصارف، وكذلك مسؤولية أقل على مصرف لبنان تتمحور حول تثبيت الليرة التي كانت كلفتها كبيرة على لبنان، والانطباع لدى الناس أنها سياسة مصرف لبنان، ولكن على العكس، هي سياسة الحكومات المتعاقبة، لأن الحكومة هي التي تقول إنها تريد تثبيت سعر العملة، لكن هل مصرف لبنان جارى هذه السياسة؟ أقول: نعم هذا أمر أكيد، ولا أعتقد أنه كان لديه خيار بعدم مجاراة الحكومة.
بدأت الأزمة بالتفاقم أكثر بعد نشوب الحرب في سوريا، عندما بدأ ميزان المدفوعات يُسجل مؤشرات سلبية، منذ العام 2011. هناك مَن يقول إن مصرف لبنان لم يرفع الصوت عالياً أمام السياسيين، لكن الحاكم يقول إنه كان يُخبر السياسيين بالأزمة. وهناك مَن ينتقد الهندسات المالية، وهذا أمر قابل للنقاش، لكنها أدخلت عملة صعبة، ولو بفوائد مرتفعة والتي سببها أن تصنيف لبنان كان سيئاً، وعندما يكون التصنيف سيئاً يتوجب عليك دفع فوائد مرتفعة. هذا ملخص أزمتنا اليوم.
○ ثمة من يعتبر أن الطبقة السياسية كانت تراهن على الدوام بأن الغرب والمجتمع الدولي لن يتركنا نقع. هل لعب ذلك دوراً بهذا الانهيار، وبالتالي تبين ان الغرب يتركنا؟
• أسباب الأزمة داخلية محض، إضافة إلى الشق السياسي الذي جعل لبنان جسماً غريباً في العالم العربي، مما دفع الدول العربية للتخلي عنه. المراهنة على أن الغرب لن يتخلى عنا أمر غير صحيح، كانت موجودة وربما ما زالت موجودة عند البعض، إنما أنا لست معها لسببين، الأول أنه لو كانت هناك حكومات صاحبة رؤية ولديها حوكمة لما راهنت على أي عامل، إنما تراهن على نفسها وعلى شعبها وعلى قدراتها، فهذه انطلاقة خاطئة في المراهنة. أما السبب الثاني الذي يُظهر أن المراهنة خاطئة هي أن للغرب أولوياته، وأولويته الآن مواجهة كوفيد-19 وكيفية تعافي الاقتصاد بعد الانتهاء من هذه المواجهة. إذ أخذنا أولويات الولايات المتحدة التي هي أقوى دولة في العالم اقتصادياً وعسكرياً، لبنان ليس في طليعتها، الأولوية هي للاقتصاد الأمريكي ورأب الصدع بين الشعب الأمريكي نفسه، الذي تجذر أيام ترامب. هناك انقسامات كبيرة في أمريكا وما زالت الدولة منقسمة على الصعيد السياسي، بين الجمهوريين والديمقراطيين. وفي الشق الخارجي الأولوية لأمريكا تتمثل في بقائها أعظم دولة وفي مواجهة التحديات الناشئة من صعود الصين كقوة منافسة لها. الشرق الأوسط بالنسبة لها أولوية إنما الأكيد هو أن لبنان ليس في الطليعة. لبنان تابع لهذه الأولوية، إسرائيل تحتل الصدارة بالنسبة للشرق الأوسط، وهذا أمر متعارف عليه عند كل الحكومات الأمريكية المتعاقبة، ثمَّ الاتفاق النووي مع إيران، وأسعار البترول العربي والحفاظ على حلفائها. إذن لبنان هو نتيجة تسويات في المنطقة، سواء مع إيران، أو مع تركيا أو أي بلد مكوّن في الشرق الأوسط.
○ ذكرت أنه لم تكن هناك رؤية. ولكن أليس هناك خلاف على الرؤية الاقتصادية وحول أي لبنان نريد؟
• انعدام الرؤية لدى الحكومات المتعاقبة سببه عدم اتخاذ خطوات استباقية لاستشراف المستقبل. اتّكلوا على تحويلات المغتربين، ولم تكن هناك خطط اقتصادية حقيقية، إضافة إلى غياب التفسير للعجوزات في ميزانيات الدولة. هذه أمور تدل على انعدام الرؤية، والاتكال على أنه عندنا 100 مليار دولار وقطاع مصرفي قوي، وأموال المغتربين تؤمن التمويل. لم تكن هناك رؤية واضحة تجاه هذا الدين وكيف يجب أن نخفضه، وأن ننمني الاقتصاد لتخفيض نسبة الدين العام، وكيف نجلب موارد إضافة لتخفيض العجز.
العامل المهم أن انعدام الرؤية ترافق مع عدم الحوكمة والصفقات والمحاصصة ونهب الأموال العامة، هذه نقطة مهمة جداً، أما الكلام عن أن اقتصادنا ريعي فأنا لست مع هذه النظرية على الإطلاق. مقومات الاقتصاد اللبناني تتمحور حول حجم وموقع لبنان الجغرافي والعنصر البشري بما فيه الاغتراب اللبناني المهم والمناخ والطبيعة، هذه هي الأمور التفاضلية الاقتصادية لأي بلد في العالم موجودة عند لبنان. وإضافة إلى انعدام الرؤية والحوكمة هناك عدم الاستقرار السياسي، ففي ظل غيابه فإن أي اقتصاد، حتى لو كان قائماً على الصناعة أو الزراعة سينهار. نحن مررنا بحرب أهلية وتدمر اقتصادنا بالكامل، ولو كانت لدينا مصانع وزراعة لكانت تدمرت، إذن المشكلة ليست في الاقتصاد الريعي. أنا شخصياً لست مع الاقتصاد الريعي مع الفوائد العالية. مقوّمات لبنان المستقبلية يجب أن تقوم على الأشياء التالية: الخدمات ومنها الخدمات المصرفية والتأمين، وتليها السياحة والاستشفاء والثقافة، إضافة إلى بعض الصناعات التي تقوم على اقتصاد المعرفة التي علينا تشجيعها، أي التكنولوجيا المتطورة، وهي لا تحتاج إلى مساحات وأراض ومصانع واسعة. لبنان لديه كفاءات عالية، وشعبه متعلم في غالبيته، وهناك كثير من اللبنانيين في الخارج مستعدون للقيام بهذه الأمور. نحن بحاجة إلى استقرار سياسي الذي هو الأهم، وممكن أن تكون لدينا صناعة ثانية وهي الـ Call Centre التي تجلب الكثير من «البزنس» إلى البلد، مثلاً إذا حدث عطل في الكومبيوتر في أي بلد يمكن إصلاحه عن بُعد، فلماذا لا نكون الـ Call Centre لأننا نملك العناصر الكفوءة، واللبنانيون إجمالاً يتكلمون على الأقل لغتين أو ثلاث، فضلاً عن إهمالنا للبنى التحتية والنقل العام وحركة المرور التي تهدر الوقت الطويل وتتسبب بخسائر كبيرة.
○ لبنان كان مركزاً استشفائياً، كانت عنده خدمات وسياحة والعنصر البشري، ماذا بقي منها؟ قطاعاتنا الاستشفائية والتعليمية تنهار، ولا يوجد استقرار تحتاجه السياحة، ولا خدمات، نعيش في رعب انقطاع الانترنت مع انعدام الكهرباء. هل القول إن لبنان ينهار بكل مقوماته هو توصيف صحيح، وبالتالي من الاستحالة أن ينهض؟
• الانهيار بدأ، ونحن في وسطه، بدأنا بانحلال المؤسسات، وأكبر مثال على ذلك ما يحدث في القضاء، ولكن السبب الرئيسي يبقى سياسياً، أي عدم الاستقرار السياسي، وإذا انعدم هذا الاستقرار لن تكون هناك سياحة، ولن تكون هناك محفزات للاستثمار على المستوى السياحي والاستشفائي والثقافي والصناعي والزراعي، فإذا لم نؤمّن الاستقرار السياسي فلن نُنجز شيئاً. دعينا نأخذ القطاع الزراعي مثالاً، حالياً يعاني من أزمة كبيرة بسبب وقف التصدير، لأن السعودية أخذت قررت وقف التصدير، وهذا حق لها لأنها تريد حماية مجتمعها، فماذا فعلنا لنتفادى هذا الأمر؟ ما زلنا نفكر بكيفية إحضار السكانرز، وهذا مثال بسيط لانعدام الرؤية، وكأن المسؤولين لا يعنيهم الأمر.
○ هل هذا انعدام رؤية أم قرار؟ لأن هناك من يعتبر أن هناك جهات ترى أنه لندع الأمور تنهار ومن ثمَّ نعيد البناء من جديد على أسس مختلفة؟
• أنا لست مع هذه النظرية ولا مع نظرية المؤامرة. الشعب اللبناني يُهاجم المسؤولين بالرغم من أنه هو الذي انتخبهم، إذن هو مسؤول عن الأزمة. دعينا نرى أين ستصبّ أصوات الشعب والثوار في صناديق الاقتراع بعد نحو عشرة أشهر؟ أكرر أن الكلام عن اقتصاد منتج غير واقعي، فلو أخذنا بلداً صغيراً مثل مونت كارلو أو سنغافورة، اقتصادهما يقوم على السياحة والخدمات في الدرجة الأولى، لكنهما يتمتعان باستقرار سياسي، واقتصادهما مُنتج، فأي اقتصاد سيكون غير منتج إذا لم يتوفر هذا الاستقرار السياسي. أنا لست مع الاقتصاد الريعي بمعنى أن نعيش على الفوائد، لكن هذا الاقتصاد الريعي كان نتيجة للعجوزات في موازنات الدولة وعدم الحوكمة والفساد.
○ عندما تقول استقرار سياسي وكأنك تقول ان لبنان ينتظر التسوية الكبرى أو تسوية ما أكبر تهبط من فوق، تسوية سياسية يأتي الاستقرار معها، ما يؤدي إلى حل الوضع الاقتصادي؟
• سأكون واضحاً. هناك انقسام مذهبي وطائفي وسياسي على المستوى الشعبي، والتجربة علّمتنا للأسف أننا قاصرون سياسياً ولا نستطيع حكم أنفسنا، فالأزمات تتكرر. الكثير يقول إن النظام بحاجة لتغيير، يمكن النظام بحاجة لتعديل أو إعادة تركيب، ولكن هذا لا ينفي أننا ما زلنا منقسمين طائفياً ومذهبياً، هذا هو الواقع. لبنان كبلد صغير وموقعه الجغرافي في الشرق الأوسط واستناداً إلى تاريخ لبنان الحديث وغير الحديث، يبدو لي أن الحل سيكون حلاً دولياً. نحن لا نستطيع حل مشكلتنا الأساسية، فلو اتفقنا الآن فبعد سنتين أو ثلاث سنوات سنعود إلى المشكلة.
يجب أن يكون هناك اتفاق دولي على صعيد الأمم المتحدة لضمان حياد لبنان ضمن المجموعة العربية. دولة حيادية من دون ارتباط بأي محور مع التشديد على علاقات وثيقة مع العالم العربي، وهذه نقطة مهمة جداً، وعدا هذا نكون «عم نرقّع». بعد التجارب الحالية والقديمة، لبنان لم يستقر إلا باتفاق دولي. هناك أمثلة في التاريخ: القائمقاميتان، المتصرفية وغيرهما.
○ لكن أيضاً هذه النظرية توصلك إلى أن لبنان كل 40 أو 50 سنة يقع بحرب أو بإشكالية، نحن لم نصل إلى حل نهائي؟
• نحن دولة صغيرة في المنطقة بين دول كبيرة، وبالتالي لن يتأمن الاستقرار السياسي للبنان إلا بضمانة دولية تضمن استقراره وسيادته، وأنا مقتنع بهذا الكلام. أما الشكل الداخلي للنظام، فدرالي أو غيره، فهو أمر قابل للنقاش. لو طبّق اتفاق الطائف بالشكل المطلوب عندها نستطيع أن نحكم إن كان ناجحاً أو فاشلاً. إذا قرأنا اتفاق الطائف نراه ناجحاً، ولكنه لم يُطبّق. لم نر الإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية، قد يصلح اتفاق الطائف إذا طبّق للأمور الداخلية، لكن هذا لا يغني عن الضمانة الدولية، أما الميّزات التفاضلية للبنان فهي كثيرة، أولها العنصر البشري الموجود في دول الاغتراب والناجح جداً. ميّزة اللبناني أنه ينسجم مع المحيط المتواجد فيه بسرعة، ويتميز على كل الأصعدة. أنا على يقين بأن اللبناني كفيل بإعادة إعمار بلاده، وإذا توفر الاستقرار السياسي فإن لبنان سيعود إلى الطريق الصحيح بوقت قصير.
○ لنفترض أن هذا الاستقرار توفّر خلال سنة (مقاطعاً)..
• إذا جاءت الأمم المتحدة والدول الكبرى الآن، وهذا افتراض، وقررت أن يكون لبنان محايداً وغير تابع لأي محور، فالمغترب اللبناني في اليوم التالي سيُعيد أمواله إلى لبنان للاستثمار هنا. والناس التي تُخبّئ في منازلها نحو 10 مليارات دولار ستطرحها في السوق. العودة سوف تكون ملفتة، وما نحتاجه هو الاستقرار السياسي فقط.
○ لكنك تشترط أن يكون الاستقرار السياسي نتاج حياد لبنان بضمانة دولية، ولكن ماذا إذا لم يتوفر هذا الحل؟
• إذا تشكلت حكومة قادرة ومستعدة ولديها القدرة على اتخاذ خطوات إصلاحية، ضمن برنامج، يمكن للبنان، من دون هذه الضمانة الدولية، أن يستعيد عافيته تدريجياً ويعيش فترة ازدهار طويلة، ولكنها غير مؤكدة، وممكن أن توصلنا إلى حروب أخرى طالما لم تنوجد ضمانة دولية بحياد لبنان. إذن ضمان حياد لبنان مهم جداً للاستقرار السياسي بعيد المدى.
○ وماذا عن متطلبات استعادة العافية الاقتصادية؟
• استعادة عافية لبنان الاقتصادية ليست فقط عبر برنامج صندوق النقد، ولكن الأهم إعادة هيكلة القطاع المصرفي، لأنه من دون قطاع مصرفي سليم وجيد لا قيامة اقتصادية للبنان، وكذلك إعادة الرسملة والحوكمة للقطاع المصرفي على صعيد الإدارات ومجالس الإدارة، لكن هل هذه الطبقة السياسية على استعداد لاتخاذ خطوات إصلاحية جذرية، هذا أمر مشكوك فيه، لأنه رأينا مؤخراً أن مؤتمر سيدر قدّم 13 مليار دولار للبنان مقابل أن يقوم بخطوات إصلاحية معروفة من بينها الهيئة الناظمة لشركة الكهرباء. هل يُعقل أن يكون نصف الدين العام له علاقة بأزمة الكهرباء من دون أن تكون متوفرة! وبالتالي أنا أستبعد أن يكون الذي أدى للأزمة بطرق مختلفة أن يكون جزءاً من الحل.
○ البعض يعتبر أن خارطة طريق الاصلاحات للنهوض بالبلد مالياً واقتصادياً هي نوع من الوصاية الاقتصادية والمالية على لبنان؟
• شئنا أم أبينا، أي نهوض اقتصادي في لبنان حتماً سيكون تحت الوصاية الدولية، وسيتمثل بالدرجة الأولى بصندوق النقد الدولي، والذي يناقش بهذا الأمر يكون كلامه شعبوياً. المطلوب وصاية دولية سياسية عبر الأمم المتحدة لإعلان حياد لبنان، وتحتها، ستكون هناك وصاية دولية اقتصادية ممثلة بصندوق النقد الدولي، ولكن هذه قد لا تضمن استقراراً سياسياً على المدى الطويل، وإنما مرحلياً. عندي أمل وحيد هو الانتخابات النيابية المقبلة التي أتمنى أن تُجرى في وقتها، ولو أني أشك بذلك.
○ ماذا تتوقع أن تُغيّر الانتخابات؟
• الأمل في صناديق الاقتراع والشعب الذي انتفض في 17 تشرين 2019. التغيير في لبنان من الصعب أن يكون دموياً، ومن الصعب قيام انقلاب عسكري لأن لبنان مطيّف. الحل الوحيد للبنان على الصعيد الداخلي، من دون إغفال حياد لبنان، هو صناديق الاقتراع التي تجلب عناصر جديدة تؤمن بالتغيير وبالحوكمة وبتحديث لبنان. صناديق الاقتراع فرصة كبيرة مُتاحة للثوار وللمنتفضين وللمطالبين بالتغيير، عليهم الذهاب إلى صناديق الاقتراع لإحداث التغيير، لكن هذا يحتاج إلى جهد كبير.
○ الليرة تنهار بسرعة كبيرة، أي سيناريو يمكن توقعه على مستوى انهيار العملة الوطنية؟
• العملة الوطنية هي الانعكاس والمرآة للسياسة الاقتصادية التي هي نتاج للحالة السياسية. وفي الوقت الحالي الوضع الاقتصادي صعب جداً ومأزوم. عندنا فرصة للتغيير، إذا استطعنا ذلك، وبالتالي هناك من مقوّمات النجاح ما يوقف سقوط العملة الوطنية، التي يمكن أن تستعيد بعض قوتها، طبعاً مع إصلاح اقتصادي في ظل حكومة إصلاحية. هذا الوضع الانهياري الذي نعيشه سيستمر في ظل هذه الفوضى وانعدام الحل السياسي. ومع استمراره، علينا أن نتوقع ليرة أضعف ومشاكل اقتصادية أكبر.
○ لكن ما السبب راهناً وراء ارتفاع سعر صرف الدولار من 12500 الى 15000. من يتحكم بالمنصات في السوق. من يمسك بقواعد عرض وطلب الدولار الآن؟
• هناك أمران، الأول أن العملة هي مرآة للحالة الاقتصادية وهذا يتم كـ Trend، إما صعوداً أو هبوطاً، ولكن ضمن هذا الاتجاه هناك تقلبات للأسعار تتحكم بها عدة عوامل، العامل النفسي والحدث السياسي اليومي والمضاربة، خاصة وأن السوق النقدية في لبنان ضيّقة، أي بحدود 20 مليون دولار باليوم، بمعنى أن مبلغاً معيناً يمكن أن يرفع ويخفض سعر الصرف، ولكن هذا يكون بشكل يومي ومرحلي، ولا ينعكس على الـ Trend الذي هو مؤشر الاقتصاد. واللعب اليومي أكيد يدخل فيه عامل المضاربة ضمن عوامل أخرى.
○ هناك شكوك حول ما إذا كان الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان والمعلن على أنه 15 مليار هو فعلا موجود؟
• هذا يُسأل لمصرف لبنان. أنا كمراقب اعتمد التصريحات الرسمية، وزير المالية وحاكم مصرف لبنان تكلما عن أن الاحتياطي الإلزامي بحدود الـ15 ملياراً، وأنا في غياب أي معلومات خاصة بي، ليس عندي أي سبب لأشكك بالمعلومات. ولكن السؤال : هل سيستمر برنامج الدعم؟ هذا هو الأمر المهم.
○ ماذا عن رأيك؟
• صراحة، لا جواب لدي. أخشى ما أخشاه أن يستمر الدعم وبالتالي يتآكل الاحتياطي، وهذا أمر خطير جداً. أعتقد أن برنامج الدعم الذي قامت به حكومة حسان دياب خوفاً من الاضطراب الاجتماعي هو برنامج فاشل وظالم. فاشل لأنه لم يحقق الهدف المعلن بتأمين المساعدات للشعب المحتاج. هذا لم يحدث، لماذا؟ أولاً لأن قسماً كبيراً جرى تهريبه، وخصوصاً البنزين والمواد الغذائية، إلى سوريا وغيرها، ودائماً أي برنامج دعم يفتح المجال للتهريب، وحتى عندما كانت سوريا مستقرة، كانت البضائع السورية المدعومة تُهرّب إلى لبنان. إذن المبدأ العام هو أن أي خطة دعم ستسمح بانتشار التهريب وانتعاش المافيات سواء أكان القرار سياسياً أم غيره، لكن نتيجته واحدة.
إذن فشل لأنه لم يؤدِ الهدف المُعلن منه، وظالم لأن التهريب تمَّ على حساب الشعب الفقير، والغني استفاد أكثر من الفقير. يمكن أن نأخذ البنزين مثالاً في حال كان الإنسان يملك سيارتين أو أكثر، وحتى السفارات الأجنبية الموجودة في لبنان تدفع نفس سعر البنزين الذي يدفعه سائق التاكسي أو الفان.
كان اقتراحي منذ سنة أن هناك طريقتين يمكن أن تؤمنا الهدف بالطرق المتاحة، إما كاش ومباشر بالدولار واقترحت يومها 700 ألف عائلة، بمعدل 150 دولار للعائلة. وهذه مساعدة تذهب مباشرة للمواطن ولا تدعم البضاعة التي تهرّب، والأمر الثاني هو اصدار بطاقات تمويلية الذي توفره أموالاً طائلة من كلفة برنامج الدعم الحالي. برنامج الحكومة فاشل وأنا لا أعرف لماذا ما زالت مستمرة به.
○ بدأ الكلام عن ضرورة تسييل الذهب، هل هناك من مخاطر أم هو أحد الحلول الممكن أن يلجأ لها لبنان؟
• للأسف، اليوم الكل يشتري الوقت، برنامج الدعم يدخل ضمن باب شراء الوقت، والحكومة المستقيلة ما زالت تتفادى الانفجار الاجتماعي بوجهها من خلال برنامج الدعم، حتر برأيي أن البطاقة التمويلية لن تصدر. واليوم السؤال هو عن الفترة التي ستكفي الـ15 مليار دولار، سنة ونصف أم سنتين، وفي حال لم تعد موجودة ماذا سنفعل؟
○ ولكن هذه أموال الناس؟
• نعم، هذه ودائع الناس، ولا أحد يملك هذا الحق، لا مصرف لبنان ولا غيره له الحق باستعمال أموال المودعين. لهذا أنا أسميته بالبرنامج الفاشل والظالم. إذا استمر انسداد الأفق السياسي، واستمر الدعم ونفد احتياطي مصرف لبنان نهائياً، سيصبح هناك خطر على الذهب رغم قانون المجلس النيابي الذي لا يجيز التصرف بالذهب.
○ بدأ استخدام الاحتياط الإلزامي، وبالتالي يسأل الأن المودعون عن مصير ما تبقى من عمرهم في المصارف؟
• لا مصرف لبنان ولا غيره له الحق باستعمال أموال المودعين.
○ لذلك يُقال إن الحاكم طلب غطاء السلطة السياسية كي لا يتحمل هو المسؤولية، فيما يرى البعض من أن من واجبه حماية أموال المودعين.
• أموال المودعين يجب أن تكون مصانة مئة بالمئة، ومصير الودائع يتوقف على الحكومة المقبلة، وعلى برنامجها، وحسب البرنامج يتحدّد مصير الودائع، فإذا أخذنا برنامج حسان دياب فنحن نتكلم عن خسائر 80 بالمئة للمودعين، وهذا أمر فاشل جداً. دعينا نرى الحكومة المقبلة ونطّلع على برنامجها، وكيف ستؤمن للمودعين استرداد ودائعهم بالكامل، ولو على مدى سنوات، ولكن الأكيد أن خسارة المودعين واقعة، لكن علينا معرفة حجم الخسارة. في الوقت الحاضر قيمة الوديعة في السوق تخسر بين 70- 80 بالمئة، والكلام عن عدم وجود Hair cut غير صحيح، لأنه واقع الـ3900 ليرة للدولار معناه خسارة نحو 70 بالمئة من الودائع. أما ما تبقى من أموال المودعين لدى مصرف لبنان كاحتياطي إلزامي فيجب عدم المس بها.

المصدر: "القدس العربي - حاورته: رلى موفق"






إقرأ أيضاً

صرخة لمتعهّدي الشحن والتفريغ في مرفأ بيروت للنظر بوضعهم
تعهد من اليابان بتقديم 10 مليارات دولار

https://www.traditionrolex.com/8