https://www.traditionrolex.com/8


يمدّون أيديهم إلى جيبك وأنت متأهّب للنشيد الوطني


On 06 February, 2021
Published By Kathy Ghantous
يمدّون أيديهم إلى جيبك  وأنت متأهّب للنشيد الوطني

الدكتور نسيم الخوري

منذ 76 سنة وأنا أقرأ في لبنان أو أسمع بعض السياسيين والإعلاميين عفواً "الإستعلاميين"، يرمون المسؤوليات بشكلٍ مباشر أو غير مباشر على المؤسّسة العسكرية ويقذفونها أحياناً بارتجاليّة غير مقبولة بل مدانة. تخفّ ردود الفعل أو تشتدّ في وطنٍ منهار، تبعاً للمصالح السياسية والسلطوية النفعيّة المثقلة بالمذهبيّة والطائفيّات المقيتة. تذكّرني تلك التشابكات غير المألوفة بين المجتمعين العسكري الأخضر والسياسي المتعدّد الألوان بشباك الصيّادين على الشاطيء وقد كبّلتهم العقد المتكاثرة بخيطانهم، كي لا أقول بألسنتهم، بحيث لا تعرف بداياتها من نهاياتها، ويستعصي تسريحها، فلا بدّ إذن، في النهاية، من قطع الحبال ورمي الشباك والقصب المكسّر في البحر حاملين بزنودهم  عند العودة الخيبة والسلال الفارغة.

تكشف تلك الظاهرة عن العيوب الكثيرة لا بل العجز السياسي، أمام صمت شبه مطلق غالباً من المجتمع العسكري في لبنان الذي لطالما أسميته بلد Média state  أي "وطن الإعلام" فصار وطن الألسنة الخطرة التي ترمينا في مستنقعات السياسات المستوردة والمذهبيات والتحاصص  حتى الأذنين. ألغريب أنّ الألسنة  تفلت من عقالها وتتشاوف في المآزم،  لا على المواطنين بؤساء العصر الحديث وحسب، بل على المؤسسة الوحيدة الصامدة وعلى العرب والعالم مالئة الأجواء بالتجنيّات والشحن الخطير.

إنّ تناول الجيش أعني العمود الفقري للوطن بالأوصاف غير الموزونة والتي لا يستقيم ذكرها لا كتابةً ولا قولاً ، تخلق  توجّساً لدى الناس وتستدرج ذكريات ما زالت دماؤها، وللجهل والأسف، طريّةً في النفوس. تكاد المتاهات اللبنانيّة المتفاقمة تنسى بأنّ القوى العسكرية بزيّها الخاص هي من ثوابت السلطات الوطنية العامة الأوْلى والأساسيّة في حماية الأوطان وخصوصاً المتعثّرة المنهارة منها كما هو الحال في لبنان. إنّها المؤسّسة الموحّدة الجامعة لكلّ أبناء المجتمع خلافاً لكلّ مؤسسات الوطن، وهي الزيّ الأخضر المتأهّب للسهر على الأمن حيثما كان وأينما كان مقابل الأزياء الدينيّة القابضة تاريخيّاً عبر سلطات رجال الدين على نسغ الهياكل والطوائف والمذاهب والمراكز، ومقابل أزياء أصحاب السلطات القضائية والقانونية المخنوقة إن لم نقل المهدورة في قصور العدل، ومقابل "السلطات" التربوية أيضاً في المدارس والجامعات وقد حصرت كلمة السلطات بين قوسين لأنّ محاولات تفريغها من مضامينها وأزيائها عار وطني يطلّ برأسه عبر موازنة ال2021 التي تتطلّع إلى بيع لبنان وأصوله. كان لكلّ سلطة لباسها وهيبتها واحترامها ذات بالمعنى الديمقراطي، ولم يبق لنا سوى الحكمة في احترام التمسّك بالمؤسسة الخضراء أعني الجيش.

لطالما تساءلت مقارناً لبنان بأيّ وطنٍ آخر أصفّها من البلاد العربيّة إلى أميركا وأوروبا باحثاً عن تلك الصورة القائمة والقاتمة في أذهان بعض الساسة عند تحميل صراعاتهم للجيش أو تناوله بإنزلاقات مدانة:

1- كيف نتخلّص من الحفاظ أو الإحتماء شكلاً ومضموناً سرّاً وعلناً بمرجعيّات السلطات الدينية مع أنّها تبدو بمعظمها عاجزة عن صقل حجر قبل أن تبني جداراً صلباً في تاريخ الوطن الصغير؟

2- كيف نفكّ أغلال بعض السلطات القضائية ونستولد إستقلالها الكامل ونخلّصها من الضغوط المزمنة لتخليص مجرم أو موقوف قفزاً فوق القوانين العذارى بنصوصها كلّها بما ينسف روح فصل السلطات وتعاونها وتوازنها وينسف روح الديمقراطية المتلوّنة بدكتاتوريات الزعامات المتوارثة؟

3- أرأيتم أين أصبحنا؟ أجيال تتلاحق من الوزراء والبرلمانيين والإداريين الموثوقين بقصور الزعماء وبحاضرهم وأنشطتهم وتصريحاتهم النادرة ونبراتهم المتقمّصة لمجموعة لا يتجاوز عددها أصابع اليدين ؟

4- نعم أصابعهم في كلّ الزوايا والدوائر، حتّى في إنجاح الطلاّبٍ أو تسجيلهم وفوق كلّ القوانين. قد يريحني جدّاً بالمناسبة التذكير هنا إقتيادي مديراً لكليّة الإعلام مع عميدها الأديب المرحوم الدكتور ميشال عاصي نحو غرفة بلا نوافذ لنجد نفسينا بعد ساعتين أمام وزيرٍ سابق يأمر بإنجاح تسعةً من الطلاّب المقاتلين الراسبين ، وهم باتوا اليوم يحتلّون المراكز عليا في الدولة العليّة. رفضنا الإنصياع قطعاً ولو قطعت الأعناق ورسبوا وتمّ تهجيرنا، لكنّ الزمان أقوى لا يدور خطأً وقد وجدتني في جوار الغرفة عينها وقد فُتحت فيها النوافذ ونعقد فيها منذ ثلاثة عقود إجتماعات أكاديمية إستشاريّة ومناقشات وطنيّة نظيفة وأبحاث ودراسات تصبّ كلّها في مسرى الدفاع الوطني اللبناني.

5- المعضلة الكبرى للجمهوريّة اللبنانيّة أنّها كانت محكومة بخليط من السياسيين التقليديين الذين خرجوا من الحكم إلى الحرب وصارت رهينة أقوياء خرجوا من الحروب إلى الحكم. خرجوا من وراء المتاريس وتجذّروا  بحكم اللبنانيين الذين لا يؤآنسهم سوى والحفاظ على الأمن حيث الضباط والإنضباط والنظام والمسؤولية والتوق لوطنٍ حضاري لا ديكتاتوري طائفي بقشور ديمقراطية بائدة في الأحاديث والتصريحات ووسائل الإعلام حيث فلا يسلم أحياناً من ينتسب إليه؟

 

 6- كيف نفكّ بين البصمات العسكرية والبصمات السياسية في تاريخ لبنان؟

وكيف يتناول بعض سياسيينا متناوبين الزي الأخضر بينما ينادي معظم اللبنانيين جنديّاً في الطريق ب:" يا وطن" وهي، كما يبدو بوضوح، مناداة صادقة وعفوية وحاجة وطنيّة قويّة لا يجوز تعرية مدلولاتها الغنية وعدم التعمير الوطني في مدماكها؟

 أطرح هذه الأسئلة وفي ذهني الإسكندر المقدوني مثلاً تلميذ أرسطو الضابط المعروف ب"ذو القرنين"، وقد إختصر الفكر اليوناني مبشّراً به بلاد فارس والعالم. أطرحه وفي الذهن الضابط ايزنهاور، ثانياً رئيساً لأمريكا خارجاً  ببلاده واسعاً نحو العالم، وكان مع ضباطه الزارع الأول لبذور العولمة وصولاً إلى الأنترنت التي نتسلّى بها بعد خمسين سنة من إخراجها من الدوائر الحافلة بأسرار الدول المسموح بها بالطبع؟

أليست السياسة الأميركية منذ أيزنهاور هي القائلة بأن أي رئيس لن يدرك مكانته، ولن يكتمل تاريخه إلاّ بإعلان نهجه العسكري الخاص وإشاعة الأفكار الأميركية في العالم؟ أين نحن من هذا؟؟؟

في محاضرةٍ ألقيتها في العيد الذهبي للجيش اللبناني في قاعة جان نجيم في اليرزة، قلت مخاطباً جمهوراً كبيراً من الضبّاط، وأردّد ما قلته:

"عندما أخرج من هذه البوّابة الحديدية، أشعر وكأنني صرت في غابة"،

لست قادراً على كشح الغموض في مقال، بل للتذكير بخطورة رمي المسؤوليات ارتجالاً عند إختلاط المحلّي بالإقليمي والدولي في ما يسمونه خطأً "الساحة اللبنانيّة" حيث صرخات المتظاهرين والجائعين والمحتاجين والمهملين والإرهابيّين والمندسّين تحت لحظ الطامحين بالسلطات في قصورهم الثريّة وفي مرحلة يبدو فيها الكثيرون أفراداً وجماعاتٍ ودولاً في الداخل والخارج متطلّعين إلى اللعب بل العبث بتلك الساحة.

عندما يصبح الوطن ساحةً، أنبّه مردّداً شعاري المعروف القديم:

"يمدّون أيديهم إلى جيوبك وأنت متأهّب للنشيد الوطني ".






إقرأ أيضاً

القومي: إطلاق الاتهامات جزافا حرف للأنظار عن المجرمين الحقيقيين
15 عاما على تفاهم مار مخايل...دقت ساعة الحقيقة! درغام: مجاراة الحزب لبري منعت الانجازات ومراعاة بيئته "بتروّح البلد"

https://www.traditionrolex.com/8