فقد ألفت راوورث كتابا، احتل قائمة الأكثر مبيعا بين الكتب في عام 2017 تحت عنوان "اقتصاد الدونات: سبعة طرق للتفكير كاقتصادي في القرن الحادي والعشرين والذي وصفه البعض كوصفة خارقة بديلة لاقتصاديات النمو.

وفي تفاصيل الكتاب تحدد الحلقة الداخلية للدونات أو الكعكة المحلاة الحدود الدنيا التي يحتاجها الفرد للعيش حياة جيدة، وهذه الحدود الدنيا مستمدة من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي أقرتها جميع دول العامل.

وتتراوح تلك الحدود بين الحصول على الغذاء والمياه النظيفة والإسكان والصرف الصحي والطاقة والتعليم والرعاية الصحية والمساواة بين الجنسين والصوت السياسي. وأي شخص لا يحقق الحد الأدنى من هذه المعايير يعيش داخل "ثقب" الدونات.

أما الحلقة الخارجية للدونات، فتمثل السقف البيئي لكوكب الأرض الذي رسمه العلماء؛ والذي يسلط الضوء على الحدود التي لا يجب أن يعبرها الإنسان مثل تجنب إتلاف المناخ والتربة والمحيطات وطبقة الأوزون والمياه العذبة والتنوع البيولوجي. وما بين الحلقتين تقع الأمور التي تمثل احتياجات الجميع واحتياجات الكوكب بالمطلق.

ومع الأخذ بعين الاعتبار ارتباط دول العالم بالنمو الاقتصادي وقوانين العرض والطلب، فإن ما يسمى نموذج الكعكة المحلاة أو الدونات الذي ابتكرته كيت راوورث يعد دليلا استرشاديا للنمو بالتوازن مع كوكب الأرض.

وستقوم بلدية أمستردام بتبني هذا النموذج رسمياً كنقطة انطلاق لقرارات السياسة العامة، وبهذا تكون أول مدينة في العالم تقدم مثل هذا الالتزام بالحلقة الداخلية والخارجية للدونات؛ أي بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة والسقف البيئي لكوكب الأرض.

وقالت نائبة عمدة أمستردام، ماريك فان دورنينك: "أعتقد أن هذا النموذج يمكن أن يساعدنا في التغلب على آثار الأزمة الحالية، قد يبدو غريباً أننا نستبق الأمور ونتحدث عن الفترة التي ستتبع ذلك، ولكن كحكومة يتعين علينا عدم الركون على الآليات التقليدية في اتخاذ القرار".

وأشارت دورنينك إلى أن نموذج الكعكة المحلاة يعتبر بمثابة إطار عمل مثالي لكل الخطط الاقتصادية حينما يتوجب علينا الاهتمام بالمناخ والصحة والوظائف والسكن والرعاية والمجتمعات.

وأضافت: "الفرضية المركزية بسيطة: يجب أن يكون هدف النشاط الاقتصادي هو تلبية الاحتياجات الأساسية للجميع ولكن في حدود إمكانيات الكوكب. "الكعكة المحلاة" هو مقياس لإظهار ما يعنيه هذا عمليًا".

وقامت راوورث بتطبيق النموذج على مدينة أمستردام، تظهر فيه احتياجات المدينة التي لم يتم تلبيتها و"حدود الكوكب" التي تم تجاوزها، مستشهدة بقضية الإسكان في المدينة.

ففي أمستردام لا يتم تلبية الاحتياجات السكنية للمقيمين بالمدينة، إذ لا يتمكن ما يقرب من 20٪ من المستأجرين في المدينة من تغطية نفقات احتياجاتهم الأساسية بعد دفع الإيجار السكني، وحصول نحو 12 بالمئة فقط من حوالي ستمائة ألف شخص من المتقدمين للحصول على سكن اجتماعي مدعوم من قبل الحكومة.

قد يكون أحد الحلول هو بناء المزيد من المنازل، لكن نموذج الكعكة المحلاة لمدينة أمستردام يظهر تزايدا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تزيد بنسبة 31 بالمئة عن مستويات عام 1990. وتساهم واردات مواد البناء والمواد الغذائية والمنتجات الاستهلاكية من خارج حدود المدينة بنسبة 62 بالمئة من إجمالي الانبعاثات الغازية داخل المدينة.

وتقول نائبة عمدة أمستردام: " إن المدينة تخطط لتنظيم عمل قطاع البناء بحيث يتم استخدام مواد البناء التي يمكن إعادة تدويرها، إضافة إلى اختيار قابلية حيويتها: كالخشب على سبيل المثال، ويشجع نموذج الكعكة المحلاة أيضا صناع القرار على التفكير ببعد نظر نحو الأفق".

ونوهت إلى أن: "حقيقة ارتفاع أسعار المنازل لا تتعلق فقط بموضوع العرض والطلب وتوفر القليل منها في سوق العقار. فهناك الكثير من رؤوس الأموال حول العالم تحاول العثور على استثمار، ويُنظر إلى العقارات الآن على أنها أفضل طريقة للاستثمار، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات".

وأضافت: "الكعكة لا تجلب لنا الإجابات ولكن هي تعتبر طريقة للنظر فيها، حتى لا نواصل السير في نفس الهياكل والآليات التي اعتدنا على انتهاجها".

وتقول عالمة الاقتصاد كيث راوورث: "إن العالم يشهد الآن سلسلة من الصدمات وتداعياتها المفاجئة، مما يمكننا من التحول من فكرة النمو إلى الازدهار، والذي يعني أن رفاهيتنا تكمن في التوازن، وهذا ما نعرفه جيدا داخل أجسادنا. أعتقد أن هذه هي اللحظة التي سنربط فيها صحتنا الجسدية بالصحة الكوكبية".

 

المصدر : وكالات - أبوظبي