https://www.traditionrolex.com/8


ارتفاع قياسي للعنف الأسري في زمن كورونا... الأصوات تعلو لحماية الضعفاء


On 01 April, 2020
Published By Karim Haddad
ارتفاع قياسي للعنف الأسري في زمن كورونا... الأصوات تعلو لحماية الضعفاء

يوماً بعد يوم يُحكِم فيروس كورونا قبضته على العالم، فيوصد، بكل فخر، أبواب هذه القرية الكونية الواحدة. يوصد الفيروس غالبية أبواب البيوت لتختفي العائلات في الغرف، ولتختفي قصص هذه العائلات أيضاً. لكن خلف هذه الأبواب التي أغلقها الفيروس بإحكام، صرخات استغاثة ترتفع لأن الفيروس المعشش في خلايا بعض المنازل أشد ضرراَ من الكورونا، وأشد إحكاماً على أرواح بعض أفراد الأسرة. إنه فيروس العنف الأسري الذي تسلل إلى حيوات الكثيرات من النساء وأفراد العائلة، وازدادت حدّته مع ضرورة الحجر المنزلي.

على الصعيد العالمي

كثر الحديث عالمياً ومحلياً عن ارتفاع ظاهرة العنف الأسري في هذه الفترة نتيجة وجود المعنِّف بشكل دائم مع الضحايا في أماكن مغلقة. ففي فرنسا مثلاً ارتفع في ظرف أسبوع واحد معدّل العنف الأسري إلى 32%، ما دفع منظمة الصحة العالمية التي تواجه اليوم تفشي وباء كورونا، إلى إصدار منشور منذ أيام قليلة يفنّد أسباب زيادة العنف الأسري خلال هذا الفترة، ويقدّم استعراضاً لأبرز أنواع هذا العنف. ويذكر التقرير الذي صدر عن المنظمة دور كل من الحكومات والزعماء السياسيين والمؤسسات الصحية والهيئات الطبية والجمعيات الإنسانية والنسوية كما وأفراد المجتمع. ويشير التقرير إلى أن قبل انتشار الفيروس، كانت واحدة من ثلاث نساء تتعرّض للعنف الأسري، ولكن الضغوط التي شكلها انتشار الفيروس أدى إلى رفع هذه النسبة، فمثلاً وفقاً لأحد التقارير، تضاعف عدد حالات العنف المنزلي، التي تم الإبلاغ عنها إلى أحد مراكز الشرطة في جينغتشو، وهي مدينة في مقاطعة هوبي، ثلاث مرات في شباط 2020، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

الأرقام محلياً

في لبنان، الأوضاع لا تختلف كثيراً عن الخارج، فالمرأة اللبنانية التي تقاتل كل يوم لتحصل على أدنى حقوقها، تتعرض في ظل الحجر المنزلي اليوم إلى مخاطر جراء العنف الأسري بما يتضمن ذلك محاولات القتل التي يقوم بها المعنف أو أحياناً دفع النساء إلى الانتحار هرباً من التعنيف. والمؤشر الخطير في هذا المجال أن الخط الساخن المخصّص لتلقي شكاوى العنف الأسري في قوى الأمن الداخلي شهد ارتفاعاً بنسبة 100% في عدد تبليغ الحالات لشهر آذار 2020 مقارنةً بعدد الحالات التي وصلت في آذار 2019، وفي حين أن هذه النسبة كانت 86% لشهر شباط 2020، يظهر أن ارتفاع هذه النسبة هو مؤشر خطير جداً كون هذا الرقم لا يشمل ما تتلقاه الخطوط الساخنة الأخرى التي أوجدتها جمعيات نسوية تُعنى في هذا الموضوع.

تشير غيدا عناني، مديرة منظمة أبعاد، إلى أن أعداد النساء اللواتي تواصلن مع المنظمة خلال هذه الفترة ازداد بنسبة 20% على الأقل، فالعنف ازداد خلال هذه الفترة كطريقة لإدارة الضغوط والتوترات والقلق الموجود في داخل العائلة، والملحوظ هو أن نوع العنف المستخدم قد ارتفع، مثل التهديد بالقتل أو حالات الانتحار غير واضحة المعالم.

في حين تشير حياة مرشاد مسؤولة الحملات والتواصل في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، إلى ارتفاع نسبة التبليغات عن العنف لدى التجمع بنسبة 60% (حتى تاريخ نشر المقال) في حين قالت الناشطة في جمعية "كفى" المحامية ليلى عواضة، إن أرقام الجمعية ليست نهائية (إذ إن تقرير شهر آذار لم يُختم بعد) لكن تؤكد أنه من المتوقع أن يكون العنف قد ازداد، وهناك تخوّف من أن تكون هذه الأرقام قد انخفضت لدى مركز الدعم لأن وجود المعنّف في المنزل لا يعطي الراحة والمساحة من الحرية للاتصال والتعبير عن هذا العنف، ما قد يقلل عدد الاتصالات عن الأشهر الماضية.

الجهود المبذولة محليّاً

تقول عناني إن منظمة "أبعاد" ملتزمة الوصول إلى الفتيات والنساء اللواتي هنّ الأكثر عرضة من خلال تأمين خدمة خط الطوارئ على مدار الساعة، والإرشاد الهاتفي من بُعد للنساء، سواء عبر اتصال واتساب أو اتصال عادي أو حتى عبر منصات التواصل الاجتماعي حيث هناك على فايسبوك صفحة آمنة للتواصل. أما خدمات الجمعية فهي مستمرة عبر مراكز الإيواء الثلاثة في لبنان على مدار الساعة، كما يجري تأمين النقل الآمن للنساء. وتقوم الجمعية بتأمين الدعم النفسي الاجتماعي عبر الهاتف وخدمة العلاج النفسي بالتنسيق والتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية. وبالإضافة إلى ذلك تستمر الجمعية بتأمين جلسات الدعم الاجتماعي عبر سكايب ومجموعات الواتساب، وعلى الأرض تقييم الحالات الطارئة التي تحمل أخطاراً عالية. كما وستباشر الجميعة بالتعاون مع وزارة الشؤون بالوصول إلى الأسر الأكثر ضعفاً وهشاشة لخدمتهم من خلال تأمين حصص تشمل أغذية وأدوات نظافة شخصية لتخفيف الضغط الاقتصادي الذي تعيشه العائلة والذي يضع النساء والفتيات في خطر أكبر.

أما التجمع النسائي الديمقراطي، بحسب مرشاد، فيقوم بتقديم خدمات دعم نفسي واجتماعي وقانوني عبر الهاتف من خلال أخصائيين في مجال الدعم النفسي والمشورة القانونية بالقدر المستطاع من خلال التواصل عبر الإنترنت. كما ويقوم التجمع بالضغط على متابعة الملفات القانونية للنساء في هذه الفترة باعتبار أن هذه القضايا أولوية أيضاً. وبرأي مرشاد، على الدول اليوم أن تأخذ بعين الاعتبار هذا الموضوع، وعلى الدولة التوعية حول الموضوع وإعلان عدم التسامح مع حالات العنف ضد النساء، وأن يصدر قرار واضح وصريح بالتشدد في الإجراءات بحالات العنف، فكما التوعية مهمة في فيروس كورونا، يجب التوعية في القضايا التي تمسّ حياة النساء لأنها أولوية ولا يمكن للدولة أن تغفلها. وتدعو مرشد الدولة إلى التشارك والتواصل مع المنظمات النسوية لاستخدام اقتراحات هذه المنظمات لحماية المرأة. لكن الأمر بشكل أساسي يتطلب قراراً سياسياً واعترافاً من الدولة بأولوية قضايا النساء وحقوقهن.

في المقابل، تقول عواضة من جمعية "كفى"، إن الجمعية تتلقى اتصالات كثيرة بوجود حالات تتعرض للعنف خلال القيام بعملية الإتصال بالجمعية، وهذا الذي يسمح لـ"كفى" بالتواصل مع الخط الساخن الخاص بقوى الأمن، حيث تقوم قوى الأمن بتلبية هذا الموضوع بشكل سريع بالذهاب إلى المنزل ومتابعة الموضوع. كما وتقوم النيابات العامة باستدعاء المعنّف وتوقيعه تعهداً بعدم التعنيف مرة أخرى. لكن تشير عواضة إلى أنّ هناك الكثير من النساء غير جاهزة على تقديم شكاوى لأن هناك صعوبة في إخراج تلك النساء من منازلهن وتأمين مراكز حماية لهن، إذ هذه الأمكنة اليوم مغلقة بسبب التخوف من أن تكون هذه المرأة حاملة للفيروس، فحتى مع تعهّد الجمعية بأن تقوم بالفحوصات اللازمة لتأكيد عدم حملها للفيروس، تأتي أولوية قيام فحوصات فقط لمن لديهم عوارض، والملاجئ لا تسمح بدخول نساء جدد دون نتائج الفحوصات. لكن مرشدي/ات الدعم الاجتماعي توزعوا لتقديم الدعم، بالإضافة إلى وضع كتيبات وخطوات حول كيف تحمي النساء أنفسهن عبر خطة سلامة، وكيف يقمن بوضع خطة طورائ بحال تعرّضن لأي تعنيف. وتبقى المشكلة الكبرى اليوم أنه حتى لو تقدمت المرأة بشكوى، فإن الأطباء الشرعيين لا يحضرون إلى المخافر نتيجة الخوف من الوباء، وبالتالي لا يمكن إثبات العنف الذي تعرضت له، هذا ما حدا بالنيابات العامة إلى الإشارة بالإكتفاء بمشاهدات عنصر قوى الأمن من خلال مشاهدات رتيب التحقيق في المحضر.

الحملة الوطنية

تنطلق الأربعاء حملة وطنية تطلقها الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانية والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بهدف تذكير النساء والفتيات اللواتي يتعرّضن للعنف، بوجود الخط الساخن المخصّص لتلقي شكاوى العنف الأسري، وتدعوهنّ إلى عدم التردّد في الإبلاغ عن حالات العنف الأسري، عبر الاتصال بالخطّ الساخن 1745 المرتبط مباشرة بغرفة عمليات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بهدف معالجة الشكاوى بأسرع وقت ممكن وبطريقة سريعة وفعّالة. وللنساء والفتيات اللواتي يتعذّر عليهنّ إجراء مكالمات هاتفيّة في المنزل خوفاً من معنّفيهنّ، تتيح المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي أمامهنّ إمكانية الإبلاغ عن شكاوى العنف الأسري عبر موقعها الإلكتروني www.isf.gov.lb / خدمة بلّغ. كما باستطاعة أي شاهد لحالة عنف أسريّ ضدّ امرأة أو فتاة (من أطفال وأقرباء وأصدقاء وجيران) أن يبلغّ عنها قوى الأمن الداخلي عبر الخط الساخن 1745.

ويقول مصدر أمني في قوى الأمن الداخلي في هذا الصدد، إن هذه المرحلة هي "مرحلة صعبة على الجميع لكن على العائلات أن تبتكر وسائل وأفكاراً للوصول إلى حلول سلمية بعيدة من العنف، والعمل على الحوار والوفاق". ويبقى هذا الخط الساخن، بحسب المصدر، موجوداً لحماية النساء من أي عنف قد يتعرضن له.

تسعى الحكومة اللبنانية، اليوم، إلى إيجاد وسائل لمنع تفشي وباء كورونا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ستتمكّن هذه الحكومة التي افتخرت بعدد حضورها النسائي، من حماية النساء جراء هذا الارتفاع الخطير في نسب العنف؟ السؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة المحملة بالكثير من الصعوبات والتحديات وعلامات الاستفهام.

المصدر: "فرح البعيني -"النهار""






إقرأ أيضاً

الفقراء لا يمتلكون "ترف" البقاء في المنازل
مبادرة “كلنا عيلة” توزّع مئات الحصص الغذائية في مختلف المناطق اللبنانية

https://www.traditionrolex.com/8