لا شكّ في أنّ العرض الفنّي الذي قدّمه الفنانان مايكل بوبليه ووائل كفوري كان من أجمل المفاجآت التي قدّمها حفل "جوي أووردز" الذي أقيم في العاصمة السعودية... ثنائي لن يُنسى في الرياض.
خاطب هذا المزيج باللغتين الإنكليزية والعربية متذوّقي الفنّ بأسمى تفاصيله، فقد كان التوقع أن نستمع إلى مزيج عربي – أجنبي لأغنيات شهيرة، بيد أننا لم نتخيّل أن يقع الخيار على أغنية "My Way"، رائعة فرانك سيناترا التي أداها عام 1969 وباتت رمزاً للحرّية الشخصية والتفرّد. وأن نستمع لواحدة من أشهر الأغنيات في التاريخ الموسيقي وبجزئية معرّبة كانت مغامرة من الأبطال اللبنانيين الذين نفّذوا هذا المشروع الفني بحرفية وحذر.

من فرنسا إلى لبنان... القصّة الكاملة وراء تحفة "My Way"
فلنعد بالذاكرة الفنية لهذه التحفة. كانت هناك أغنية فرنسية ناجحة تحت عنوان "Comme d'habitude"غنّاها الفنان الباريسي كلود فرانسوا في عام 1967. كتب كلماتها جاك ريفو وجيل تيبو، وتحكي عن علاقة زوجين تنهار بسبب الملل الناتج عن الروتين اليومي، من هنا جاء عنوان الأغنية "كما العادة". حتى إن مؤدّي الأغنية شارك في كتابة بعض الكلمات مستوحياً من انهيار علاقته الشخصية مع المغنية الفرنسية فرانس غال.
ولأنه كان شائعاً في الستينيات إعادة كتابة الأغنيات الأوروبية الناجحة بكلمات إنكليزية، أتت محاولة الفنان البريطاني ديفيد بوي لتقديم هذه الأغنية الفرنسية بالنسخة الإنكليزية بعنوان "Even A Fool Learns To Love"، لكنه لم يفلح في تسجيلها ووُضعت على الرّف. ثمّ أتى المغني والملحن العربي الأصل بول أنكا وخاض التحدي نفسه مؤلّفاً كلمات جديدة بعنوان "My Way" مختلفة عن المضمون الأصلي لكن باللحن نفسه. في ذلك الوقت، كان الفنان الأميركي فرانك سيناترا قد عزم على التقاعد، لكنه تراجع عن قراره بعد سماعه "My Way" من أنكا (صديقه العربي) وسجلها في 30 كانون الأول/ديسمبر 1968، لتصبح في عام 1969 الأغنية الرئيسية لعنوان ألبومه.
واليوم كتب الشاعر اللبناني منير بو عسّاف كلمات هذه الأغنية بالنسخة العربية متّبعاً إحساس الأغنية، ومحافظاً على مكانة عمل خالد طالما منح كل من يغنيه أو يسمعه شعوراً بأنه شخص مميز.
منير بو عساف يعيد صياغة الكلاسيكيات
في حديث لـ"النهار"، يكشف بو عساف عن كواليس "طبخة" أغنية "My Way" التي أداها النجم وائل كفوري بالنسخة العربية إلى جانب الفنان مايكل بوبليه، من دون أن ينكر حجم التحدّي الذي شعر به في تنفيذ نسخة تحمل احتمالين لا ثالث لهما: إما النجاح أو الفشل: "كان الخوف من الدخول في الرتابة والملل، سعيتُ مع كل سطر كتبته أن أبقي المستمع مشدوداً".
يسرد بو عساف: "تلقّيتُ اتصالاً من الملحن والموزّع الموسيقي اللبناني جان ماري رياشي، قبل شهر من إقامة الحفل الترفيهي، زفّ لي هذا التحدّي. بدأتُ العمل على الأغنية، وفي غضون أسبوع اكتملت القصة".

ركّز بو عساف على تأليف كلمات جديدة تتناسب مع النص الأصلي ولكن بطابع عربي فني. يضيف: "لم تكن مهمّة سهلة، كان الهدف أن تنسجم كلماتها مع اللحن، من دون أن تفقد رسالتها العميقة التي أحبّها الجميع في النسخة الأصلية مع الحفاظ على روحية اللحن الكلاسيكي، فخرجت "هيدا طريقي" التي تروي قصة إنسان تمسّك بحلمه منذ الطفولة ومشى في درب تحقيقه".
وظّف بو عساف ميزانه الفني الخاص الذي لا يخيب: "ظلّ القلق موجوداً، لكنني شعرتُ بأن ما كتبته له قيمة، لذلك كنت مطمئناً بعدما اختبرت شعور كفوري تجاه ما قرأ، وصولاً إلى الحصول على الضوء الأخضر من الجهة المنظمة للحفل".
استمع منير بو عساف إلى الأغنية مع الجمهور خلال حفل "جوي أووردز": "كانت الاستجابة مدهشة. كلّما تحدّثت مع المقرّبين أو قرأت التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، كان هناك إعجاب واضح بالتجديد الذي أدخل على الأغنية".
وائل كفوري وألبوم جديد
أما بعد هذا النجاح، فيكمل بو عساف تعاونه مع كفوري، كاشفاً عن ألبوم جديد بدأ الأخير بالإعداد له: "بعد هذه التجربة، نستكمل مشاريعنا مع وائل في ألبوم جديد سنبدأ بتنفيذه خلال الفترة المقبلة وسندخل قريباً إلى الاستديو لتسجيل الأغنيات... يحمل الألبوم العديد من المواضيع، حلو... حلو".

إبداع لبنانيّ لا يتأثر بالأزمات
استحقّ وائل كفوري تصفيق الحضور وإشادة النقّاد والمشاهدين عبر السوشيل ميديا. لكنّه باعتلائه المسرح لم يضف بصمة في مسيرته الفنية فحسب، بل أدّى دور خير سفير لبلده لبنان، مثبّتاً صورة الإبداع اللبناني على مرأى من العالم. يقول عسّاف في هذا الشق: "نحن اللبنانيين، إبداعنا لا يشبه الحالة التي نعيشها في بلدنا، نبدع في الوقت الذي نتعرّض فيه للضرب. نجاحاتنا وحضورنا الوازن في عالم الإبداع تؤكد حبّنا للفن والإبداع وفق مقولة: وين في إبداع بكون في لبناني".
المصدر: "النهار -إسراء حسن"