منذ منتصف أبريل نيسان من العام الماضي عندما استفاق سكان العاصمة الخرطوم على دوي القذائف وأزيز الرصاص بدأت الأوضاع الأمنية في السودان تتدهور، وسرعان ما شملت الاشتباكات المسلحة مختلف المناطق. تلك الأحداث التي شكلت بداية لهذا الصراع ما تزال حية في ذهن رئيس الأساقفة كاردابا، الذي كان متواجداً في الخرطوم، بصفته سفيراً بابويا.
استهل سيادته حديثه مشيرا إلى أن الصراع المسلح بدأ نتيجة خلافات بين جنرالين، هما عبد الفتاح البرهان الذي يقود الجيش النظامي السوداني، ومحمد حمدان داغالو الذي يرأس قوات التدخل السريع، وهي مجموعات مسلحة شبه عسكرية. وأوضح أن القتال اشتد بنوع خاص في العاصمة الخرطوم وفي إقليم دارفور، حيث وقعت مجازر تعيد إلى الأذهان تلك التي حصلت بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٥، بالإضافة إلى منطقتي كردفان والجزيرة. أما باقي المناطق فسيطر عليها الجيش النظامي وتنعم بهدوء نسبي.
تابع رئيس الأساقفة كاردابا مشيرا إلى أن الحرب الدائرة اليوم في السودان تثير قلق منطقة القرن الأفريقي، التي تعاني من تبعاتها، وتواجه خطر الانزلاق إلى أزمة إنسانية طويلة الأمد تترتب عليها نتائج على الصعيد الجيوسياسي. وذكّر في هذا السياق بأنه قبل اندلاع الحرب كان السودان يستضيف أكثر من مليون ومائة ألف لاجئ أجنبي، من بينهم ثمانمائة ألف من جنوب السودان والعديد من الإيرتريين والأثيوبيين. وقد انقلبت هذه المعادلة اليوم وثمة خطر أن تتفجّر الأوضاع في البلدان الأفريقية المجاورة، لاسيما في جنوب السودان وتشاد ودول أخرى.
في سياق حديثه عن الأوضاع في إقليم دارفور، لفت السفير البابوي السابق في الخرطوم إلى أن الحرب أعادت تأجيج توترات عرقية قديمة، وسببت مصادمات بين القبائل والميليشيات، فانزلقت المنطقة إلى حرب أهلية قبلية جديدة. كما أن الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل نيسان الماضي اشتدت حدتها بعد أن أعلنت مجموعتان مسلحتان في دارفور، كانتا على حياد، أنهما ستقاتلان إلى جانب الجيش النظامي وضد الميليشيات متهمة هذه الأخيرة بارتكاب فظائع في الإقليم.
هذا ثم لفت سيادته إلى أن كل مساعي الوساطة بين الأطراف المتنازعة لم تؤد إلى نتيجة لغاية اليوم، وقد باءت بالفشل أيضا المفاوضات التي جرت في جدة بدعم من الملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. ولم يحترم أي من الجنرالين المتنازعين الهدنة المتفق عليها من أجل فتح ممرات إنسانية، وما يزال الطرفان يتبادلان الاتهامات بشأن خرق وقف إطلاق النار. وما يزيد الطين بلة قرار مجلس الأمن الدولي في كانون الأول ديسمبر الماضي بشأن إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة لدعم العملية الانتقالية في السودان، والتي اتُهمت بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية. ورأى سيادته أن تقلص الحضور الدولي في البلاد يمكن أن يمهد الطريق وللأسف أمام ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين.
مضى الدبلوماسي الفاتيكاني إلى القول إن هذا الصراع ليس إلا استمراراً للأوضاع السياسية غير المستقرة منذ سقوط الرئيس عمر البشير عام ٢٠١٩، عندما رفضت الميليشيات تسليم السلطة إلى حكومة مدنية. وأشار سيادته إلى صعوبة الحوار بين الأطراف المتحاربة، مع أن هذه هي الدرب الواجب اتّباعها، كما أن الجماعة الدولية مدعوة إلى تكثيف الجهود من أجل إعادة السلام إلى ربوع البلاد، ووضعها على طريق الديمقراطية، بإسهام من السودانيين أنفسهم. واعتبر سيادته أن السلام وعملية الانتقال الديمقراطي لن يتحققا إن لم يلعب المجتمع المدني دوراً ريادياً بغية تحقيق تبدل سياسي وبناء سودان جديد.
ختاماً شاء رئيس الأساقفة كاردابا أن يذكّر بأن تطلعات الشعب السوداني، لاسيما الأجيال الفتية، لم تتغيّر منذ الثورة المدنية عام ٢٠١٩ ألا وهي: التقدم والديمقراطية وضمان المزيد من الحريات وإحلال العدالة، وإمكانية أن يلعب المدنيون دوراً ناشطا في الحياة السياسية والاقتصادية.
|