أكثر ما يحرج الإنسان صحافياً كان أو محامياً أو رب عائلة أو شقيقاً أو صديقاً، أن يجد نفسه مضطراً إلى الرد على سؤال "شو قولك الوضع رح يتحسّن؟" والأدهى عندما يكون السائل صديقاً مهاجراً أو إبناً أو شقيقاً!
سؤال أكثر ما يتردد هذه الأيام مع إزدياد أعداد المغتربين الراجعين إلى "وطن وديع وصباح وفيروز وفيليمون والرحابنة والأرز وبعلبك ومار شربل وقنوبين" ، "وطن الأبو الزلف والكبة النية والتبولة!"
هل هذه definition لوطن؟
مؤسف أن تكون باتت نعم!!!
صديق هاجر إلى البرازيل بعدما نَسفت قوى الأمر الواقع سيارته ـــ ولن نقول أين لئلا نساهم في نكء الجروح، "سألني شو منعمل؟ منرجع؟"
هذا الصديق قصّ قصّـته على البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في إحدى جولاته الرعائية ــ وليس السياحية ــ في الخارج وكنت ، ولن أقول أين حرصاً أيضاً على مزيد من التجهيل ، عندما سأله كيف وصلت إلى هنا، فرد صفير:" يعني طلعت (التفجير) لصالحك . اسم الله شو عندك. الله يزيدك".
... وصديقي اليوم "فوق الريح".
وتشاء الصدف أن أرى في منامي قبل يومين صديقاً قديماً جداً متوفياً من بلدة غريفة في قضاء الشوف ، كان مثابة أخ إسمه غسان...
كان غسان ناشطاً في الحزب التقدمي الإشتراكي ومسؤولاً طالبياً ، ودرسنا معا في ثانوية فرن الشباك الرسمية (سعيد)، وفي مرحلة التحضير للإمتحانات الرسمية كنا نتذاكر شهراً كاملاً في إحدى قاعات الطبقة السفلية لدير مُرت تقلا في وادي شحرور ، علماً أننا كنا نتنافس في انتخابات رابطة الطلاب، فأنا "هنا" وهو "هناك". وبحكم البيئة والموقع كنت أفوز في فرن الشباك ثم في عين الرمانة.
رأيت صديقي غسان في المنام وبدا لي كأنه "جاء من الإغتراب".
في اختصار التقيت صديقاً حياً أطال الله عمره وضاعف وزناته ، وحلمت بصديق في الجنة. وكلاهما سألني عن "وطن النجوم"، وماذا أقول عن لبنان الذي أرى فيه الحل؟
أقول لصديقيّ اللذين أحبهما الحب نفسه أن لبنان الذي نعرفه انتهى!
ولبنان يعود إذا:
ــ عندما نتظاهر كتفاً إلى كتف لقضايا مطلبية أو وطنية صرفة غير مسيّسة، ولا بأس إذا أقفلنا الطرق لبعض الوقت ولكن من دون أي أعمال تخريب.
ــ أصبح رجل الدرك يقفل البسطة والضاحية وعين الرمانة وبعقلين فيوقف عمر وعلي وحنا ومعروف من دون ضربة كف ولا ردات فعل.
ــ أصبح الدركي يسحب"التكميل" مثلما سحبته الفرقة 16 في ولاية العميد ريمون إده سنة 1958.
ـــ أصبح رجل سير واحد ينظم السير وحده من دون دفتر محاضر كما كان الشرطي "أبو وجيه" ينظم السير في شارع بشارة الخوري في الستينات.
ـــ أصبح المواطن يحترم القانون ولا يخالف قوانين السير ولا يرمي القاذورات في الشارع.
ــ أصبح الجيش قادراً على سحق المتمردين أينما حصل تمرد، ومن دون مراعاة السياسيين، مثلما سحقهم في جرود عرسال بالطيران أيام الرئيس كميل شمعون عام 1958 بلا أي احتجاجات ضده.
ــ عندما يصبح رجل أمن واحد قادراً على بسط سلطة الدولة في مخيم لاجئين كما كانت الحال في عهد الرئيس فؤاد شهاب.
ــ أصبح الأمن اللبناني ــ كل الأمن اللبناني ــ يحترم الداخلين إلى مطار بيروت بحيث يشعرون أنهم "أولاد عالم" وليسوا مطلوبين ووقعوا طريدة، ووقف مهزلة سيارات التاكسي التي تتاجر بالواصلين وكأنهم في مرائب بيع الدراجات المحجوزة.
ــ إذا أقفلت الدكاكين في الدوائر الرسمية والميكانيك وسجلات النفوس والمالية، وبات كل مواطن ينجز معاملته من دون أي قرش إضافي .
ــ يعود لبنان عندما يصبح القضاء مستقلاً استقلالاً تاماً غير قابل لأي انتقاد، وقد مسح ما تبقى من ذيول نفسية قضاء سلطة الوصاية، حيث أبلغ إلى آنذاك عائلة شخصية بارزة تعرضت للإغتيال ــ ومنها أحد ابنائها الذي أصبح لاحقاً عضواً في مجلس النواب ــ أنه "يمكن إعدام المتهم الثاني، أما الأساسي فمستحيل".
ـــ عندما يعود التوظيف محصوراً بمجلس الخدمة المدنية والسلطات المعنية بالإستناد إلى الكفاءة وليس إلى بطاقة التعريف .
ـــ عندما تعود القيمة إلى الشهادة اللبنانية وليس كما هي الحال اليوم حيث النجاح حليف الجميع والوطن مستودع حملة شهادات متساوية ينتظر حاملوها جواز سفر إلى بلدان الله الواسعة.
ــ عندما يدرك الفائز في امتحانات أن ثمة راسباً وينبغي احترام شعوره، ويقتنع الجميع بأن كل رصاصة تطلق ستعود إلى الأرض وقد تصيب مواطناً بريئاً.
ــ عندما تـُلغى كل رخص السلاح ويصبح كل مطلق نار مشروع موقوف وكل قاتل مشروع معتقل ومحكوم.
ـــ عندما تـُسحب كل رخص الزجاج الداكن في السيارات وتـُلغى المواكب بدءاً بالمسؤولين وصولاً إلى "زعماء الزواريب"، لأن لا حاجة إلى مواكبة مادام الضمير مرتاحاً والكف نظيفاً من الدم ومن المال الحرام الخاص والعام.
ـــ عندما يتم تطبيق أنظمة السير العالمية وسحب رخص السوق لدى تكرار المخالفات.
ـــ عندما يُحصر عمل النائب بالتشريع ، وليس بتعقب المعاملات، والوزير بالتنفيذ، ويُبعَد القضاء عن السياسة ويبتعد السياسيون عن الجيش، ويـُمنع بنص غير قابل للتعديل، أيُ تمديد أو تجديد لأي سلطة أو هيئة أو مجلس.
ــ بعد إبعاد السياسة عن الدين والدين عن السياسة وإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
هذا قليل من كثير إذا تم تنفيذه يمكن بعدها الجواب عن أي سؤال سواء كان في الحلم أو في اليقظة.
128 نائباً بعضهم جدد، يمكنهم أن ينقلونا ـــ بل يرجعونا ــ إلى أيام العز إذا هم صمّموا.
المصدر: "حبيب شلوق"