December 19, 2025
قبلان: لا خيانة أكبر من خيانة الحق العام والحكومة بعيدة من منطق السيادة
ألقى المفتي الجعفري الممتاز سماحة الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، أكّد فيها أنه "لا يمكن الفصل بين الصلاة والعمل الصالح. والجهاد هنا يتسع لكل ساحاتنا ومياديننا وقضايانا العامة، وتذكّروا جيداً أيها الأخوة المؤمنون أن الله تعالى لا يطاع بالعبادة الفردية فحسب، بل بالعبادة العامة أيضاً، فمن يترك ساحات الناس لا قيمة لمحرابه عند الله، ومن لا يهتم بأمور الناس ليس له موقف عند الله، ومن ينتهز الظروف ليتربّح على حساب ذوي الدخل المحدود ليجدنّ اللهَ خصمه يوم القيامة، ومن ليس للفقير والمقهور والمعذّب حظٌ من نفعه وخيره لا حظّ له يوم الحاقّة الكبرى، ومن لا يهتم بجيوش العاطلين عن العمل وهو قادر على ذلك لن تشملَه رحمةُ الله، ومن يكرّس النفاق التجاري كجزء من دوافعه التجارية إنما يفتح لنفسه باباً من أكبر أبواب النار".
ولفت الى أن "عبادة الله بالخير والنفع والتخفيف عن الناس والرعاية لهم والحفظ لحقوقهم وتأمين ما يدفع عنهم سوءَ البطالة وسوءَ الظروف وسوءَ الأحوال وأسبابَ الظلم، لا سيما الظلم المهني والاجتماعي وظلم الأسواق وبضاعة النفاق، والخيرُ كلّ الخير عند الله بالحقّ لا سيما الحق الاجتماعي، ولا قيمة للعابد إن هو ترك حقَ الله والناس بالعدالة العامة وما يلزم للسلطةِ العادلة ومشروعِها وضامن مرافقها"، مضيفاً:"ونحن في شهر رحمة الله، لا يجوز الاستهتار بحقوق العدل وضامن القيم وحارس النظام الأخلاقي والواجب الاجتماعي، وما يلزم من أطر وكيانات مدنية تتعامل مع حقوق إنساننا كأولوية مطلقة، ولا خيانة أكبر من خيانة الحق العام، ولا جريمة أكبر من جريمة الفساد السياسي؛ وتأمينُ السلطة العادلة، وحمايةُ الأسواق من الظلم والاحتكار هو ضرورة واحدة ومحرابُ جامع، ومبدأ الصلاة والصيام والقيام بما لشهر رجب من فضائل ومنازل ومكارم يبدأ بترك الحرام والآثام، ولا حرام إجتماعي أكبر من أكل حقوق الموظف والعامل والأجير، ولا ينجو صاحبُها من موقف الله الأكبر يوم القيامة، ولكل فعلُه وأثرُه، والنار بالشهوات الباطلة والجنة بالصبر على الحق، فاصبروا رحمكم الله، فإن ثوابَ الله قريبٌ من المحسنين، ويدُ الله الضامنة لا تُردُّ عن أهل الصبر والتقوى، وهو القائلُ سبحانه وتعالى {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}".
وأضاف:"للأسف البلد بلا إدارة فاعلة، والأولويات الوطنية تترنّح، والتمييز السياسي يبتلع البلد، والحكومة تعيش فشلها، وبالتالي لا يمكن إنقاذ البلد بلا مؤسسات فاعلة ومنها الجامعة اللبنانية، جامعة المواطن الفقير والكفوء. وقد كان الرئيس جوزاف عون تعهّد بإنهاء عقدة ملف أساتذة الجامعة اللبنانية بخصوص نظام التفرّغ، ومثل هذه القضية تأخرت كثيراً، وهي لم تعد تحتمل على الصعيد الوطني، وبخاصة أن البنية العلمية للبلد تهتز، وإنقاذ الجامعة اللبنانية يمر بإنقاذ قدرات أساتذتها وتأمين تفرّغهم. فالرئيس عون يستطيع إنهاء هذا الملف. والقضية هنا ضرورة وطنية، ونأمل الانتهاء من هذه العقدة ومعالجتها بطريقة مهنية ووطنية".
أما على المستوى السيادي، فاعتبر المفتي قبلان "أن السلطة السياسية مطالبة باستغلال قدراتها المتنوعة، وهي موجودة وفاعلة، إلا أن أولويات الحكومة بعيدة من منطق السيادة". وأكد أن" سياسة الانتظار قاتلة، والاعتماد على واشنطن خسارة وطنية، وما تقوم به إسرائيل إرهاب مدعوم من واشنطن ومسكوت عنه لبنانياً، والمؤسف المحزن أن وزارة الخارجية اللبنانية تخون سيادتها ووطنها، ولا وظيفة لوزير الخارجية إلا تعميم عقيدته الحزبية".
وشّدد على أن "اللحظة الآن هي للمصالح الوطنية وحمايتِها وتكريس مناعتها، وإسرائيل عدو أبدي لا ميثاق ولا عهد لها، وغاراتها الوحشية حتماً لن تُحقق أهدافها، والمقاومة والجيش ضمانة وجودية للبنان، ونحن لا نهاب إسرائيل ولن نقبل بأيّ تنازل وطني، ولم نخسر الحرب ولا يمكن التعامل مع أكبر ملحمة صمود أسطوري بهذه الطريقة من الضعف السياسي، بل الحكومة اليوم بحاجة لتذكيرها بالمصالح اللبنانية وببعض الدروس الوطنية، وعلى بعض وزرائها أن يتذكّروا أنهم وزراء في حكومة لبنانية لا صهيونية".
وأكّد ضرورة "حماية لبنان من الإنقسام العامودي، ولا ضمانة اليوم أكبر من حماية مجلس النواب وتزخيم دوره وقدراته، والرئيس نبيه بري قيادة تاريخية ونموذج استثنائي وقدرة وطنية، والبلد بحاجة لتسويات هيكيلية من طراز أفكار الرئيس نبيه بري، ولا قيمة للبنان من دون وحدة وطنية ومشاريع حكومية بحجم أزمات لبنان السيادية والوطنية والإجتماعية".