https://www.traditionrolex.com/8


تبسة الجزائريّة مدينة تاريخيّة غنيّة بالآثار... تشكو الإهمال وتطلب الدعم


On 18 April, 2024
Published By Tony Ghantous
تبسة الجزائريّة مدينة تاريخيّة غنيّة بالآثار... تشكو الإهمال وتطلب الدعم

الداخل إلى تبسة أو تيفست يُخيل إليه من بواباتها وجدرانها التراثية أنها مدينة إغريقية أو رومانية أو من حضارة أخرى من حضارات الزمن الغابر؛ فالحضارات المارّة عليها تركت بصماتها راسخة فيها وفي كل زاوية وركن من أركانها.

إلى أقصى الشرق وعلى بعد 700 كيلومتر عن العاصمة الجزائر، وعلى مقربة من الحدود مع تونس، تقف تبسة شامخة فخورة، راسمة لوحة من لوحات الحضارة والتاريخ والتراث في بلد كله تاريخ وحضارة.

الباحثون يؤكدون أن اسمها مَرّ، مثلما مرت هي، بمراحل ليصل إلى المتداول الآن تِبسة؛ بدءاً بسكانها الأصليين الذين أطلقوا عليها اسم ثارّت ومعناه "اللبؤة"، لتتحول بعد ذلك وخلال العهد الإغريقي إلى تيبس، ومن ثم إلى تيفست مع دخول الرومان، ثم إلى تبسة مع الفتح الإسلامي.

"كركالا"... إمبراطورٌ وقوسٌ وحضارة

على الجانب الشمالي الجنوبي، تتراءى لك المدينة القديمة؛ أول ما يقابلك سور ضخم بيزنطي المنشأ، عليه نقوشات عديدة، ويحمي المدينة ومنافذها ومداخلها، يتوسطه باب هو أضخم باب معماري عبر كل الحضارات المتعاقبة على المدينة.

الباب الذي عُدّ معلماً تراثياً، يتوجه نحو أربع جهات وهو على شكل قوس، ما أدى إلى تسميته بقوس النصر "كركالا".

 

 

تصميم القوس فريد من نوعه، وبحسب الكثير من الباحثين، فإنه لا مثيل له  في كل الحضارات، إنه معلم مميز مستقطِب للفضوليين والطلاب والباحثين والسائحين وغيرهم.

أما تسميته فتعود إلى الإمبراطور الروماني كراكلا، الذي حكم المدينة بين سنتي 211 و217 ميلادية.

"كان يمكن لهذا القوس أو الباب أن يؤدي دوراً سياحياً واقتصادياً محضاً من خلال فتح المجال أمام أصحاب الحرف لبيع منتجاتهم الحرفية التقليدية التي تعبر عن روح المنطقة، وغيرهم من ممتهني التجارة، لتنتعش السياحة ويشتهر القوس والمدينة والمنطقة ككل"، يقول محمد مزيان، وهو أستاذ جامعي متقاعد، لـ"النهار العربي"، ويضيف أنه من الجيد الحفاظ على روح هذا المعمار التراثي الزاخر ولكن الأجمل هو تسخير كل الإمكانات خدمة له وللسياحة واقتصاد المنطقة.

 

 

على طول سور المدينة، يجلس شباب وشيّاب على كراس وُضعت للراحة. اقتربنا من شابين، منير وسليم، سألناهما عن مدينتهما تبسة: "كل مقومات النهوض موجودة هنا، نحن ننتظر التفاتة إلى شباب المنطقة من خلال الاهتمام أكثر بالسياحة، ما يفتح لنا ولغيرنا الباب للعمل"؛ منير وسليم لهما غيرة لا توصف على مدينتهما... "لم نرد هجرتها، فمع أننا نمتلك شهادات جامعية تسمح لنا بالعمل خارج تبسة، إلا أننا آثرنا البقاء، نريد خدمة مدينتنا التي يمكنها أن تكون قطباً سياحياً وتراثياً ليس في الجزائر فحسب، بل في كل منطقة الشمال الأفريقي".

معبدُ "مينارف" والمسجد العتيق

ولجنا من القوس، لنجد أنفسنا أمام مبنى هو المعبد القديم، معبد "مينارف" أو "مينيرفا". 

يقول الباحثون إن هذا المعبد هو واحدٌ من المعابد الرومانية التي ظلت محافظة على طابعها المعماري رغم مرور قرون عديدة منذ تشييده والتغييرات والاستعمالات التي ليست في محلها خلال الحقبة الاستعمارية للجزائر.

 

مراسل "النهار العربي" أمام معبد مينارف.

ويشبّه الباحثون هذا المعبد بما يسمى بالبيت المربع في مدينة نيم الفرنسية، أما عن تسميته فتُنسب إلى "مينيرفا" آلهة الحكمة والفنون بحسب اعتقادات الرومان في ذلك الزمان.

المعبدُ الذي حوّل إلى متحف تقابله كنيسة كاثوليكية، ومن أمامه مسكن "الأخوات البيض"، كنّ وما زلن يسكنّه، في جو من الهدوء والطمأنينة وفي انسجامٍ تامٍّ مع محيطهنّ في المدينة. 

 

 

أزقة المدينة أشبهُ ما تكون بأزقّة قصبة الجزائر العاصمة، ليقابلنا بعدها المسجد العتيق، بناية إسلامية صغيرة بنيت خلال العهد العثماني، وبقيت شامخة شموخ باقي شواهد الحضارات في تبسة، وهي رمزية مهمّة تذكّر بالحوار الحضاري والتزاوج الروحاني بين الديانات في هذه المدينة وباقي مدن الجزائر، قديماً وحديثاً.

 

 

الحديقة الأثرية... رئة تراث المدينة 

لا يمكنك زيارة مدينة تبسة من دون أن تقف على حديقة ليست ككل الحدائق، ليس فيها ورود ولا حيوانات، بل آثار من حضارات فائتة، أطلق عليها اسم "الحديقة الأثرية".

هي متحف في الهواء الطلق، موقعها في قلب المدينة جعلها محط أنظار الجميع؛ تضم أكثر من ألف قطعة أثرية رومانية وبيزنطية، وفسيفسائيات وأعمدة وتماثيل ونصباً وآثاراً جنائزية وحمامات وغيرها.

يوم الجمعة هو يوم عطلة أسبوعية في الجزائر، وجدنا باب الحديقة مغلقاً، استغربنا بادئ الأمر، فالعطل الأسبوعية كثيراً ما تستغل للتفسح والزيارات وغيرها، إلا أن المكان بدا هادئاً خالياً من الزوار.

قال أحد المواطنين إن "الحديقة أثرية بامتياز ولكنها لا تحظى بالاهتمام المرجو... لا أدري ربما كان التراث لا يستهوي زائري تبسة". مواطن آخر عقب قائلاً: "تبسة ليست معروفة بالقدر الذي لا بد من أن تعرف به".

 

 

بعض المواقع التراثية في الجزائر ومنها تبسة، لم تأخذ حقها من التسويق الإعلامي الجيد، فمدينة كهذه كلها مواقع أثرية لا نجد عنها سوى بعض الوثائقيات، إن صح تسميتها كذلك، يقول أحمد باديس، الباحث في التراث لـ"النهار العربي".

ويضيف أن تبسة التي أنجبت أحد أكبر علماء الاجتماع في العصر الحديث مالك بن نبي، وعرفت أقوى المعارك أثناء حرب التحرير الجزائرية (1954-1962)، وتحوي أحد أكبر مناجم الفوسفات في العالم، لا بد لها من اهتمام أكبر يخرجها من عزلتها الثقافية والإعلامية، إنها مدينة بكل مواصفات المدن الحضارية.

المصدر: "المصدر: النهار العربي الجزائر - نبيل سليماني"






إقرأ أيضاً

منظمو "يوروفيجن" في السويد يعدون بإجراءات أمنيّة "واضحة"
نادين الراسي بفستان الزفاف: قلت نعم!

https://www.traditionrolex.com/8